جدلية المتعة والفائدة: السؤال القديم الجديد: «لماذا نقرأ؟»

جدلية المتعة والفائدة: السؤال القديم الجديد: «لماذا نقرأ؟»

لماذا نقرأ؟ السؤال مرة أخرى لا يضرّ، بل إنه أكثر إفادة حين يضعنا أمام أجوبة جديدة، ذلك أن هناك كثيراً من الأسئلة تكتسب مزيداً من الأبعاد كلما أعيد طرحها، لأنها تبقى مفتوحة كبوابات حيث كل من يدخل من تحت أقواسها يدخل بطريقة مختلفة، وبحمل مختلف أيضاً.. كما أن الأسئلة التي تتعلّق بالشغف والحب والهوى الشخصيّ تبقى تتجدّد مع تجدّد المجيب.. الروائي والسيناريست فادي قوشجقجي يختصر ما نرمي إليه حين يقول: «ذلك السؤال موجود منذ فجر التاريخ، وسيبقى موجوداً حتى نهاية التاريخ».

حقّاً لماذا نقرأ؟ هل ليقال عنّا إنهم يفهمون، أم لنغيّر الواقع؟

كلنا ندرك أن دخول إدمان القراءة إلى روح شخص ما يرغمه حتماً على الدخول في سلسلة تحولات، نعم.. تحولات إجبارية، تطال الوعي والذائقة وطرق التفكير والإحساس، فلا يمكن للشخص الذي قرأ، على سبيل المثال، رواية «آل بودنبروك» للعملاق توماس مان أن يظلّ هو ذاته بعدها.

تحدّث ألبرتو مانغويل، القارئ العالميّ، عن هذه القارة المنسية، قارة القراء والقراءة، في تحفته العظيمة «تاريخ القراءة»، وقد استطاع أن ينتصر للقارئ حينما رسم له معالم سلطته وسلطانه في جنة النصوص.

حملنا السؤال إلى عينات عشوائية من الناس، كتاب ورسامين ومخرجين وطلاب وربات منازل.. فكانت الحصيلة التالية:

«نقرأ لنفهم..» تقول مريم عامر مختصرة وظيفة القراءة في البعد المعرفيّ، بينما تذهب رولا بريجاوي إلى ربطها بالوجود نفسه حيث تقول: «لكي لا ينسفنا الغياب».. بينما تذهب خديجة حديد إلى ربط القراءة بضرورة الحياة والفعل: «إنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، ثم تضيف: « في البدء كانت الكلمة، اقرأ... أول كلمة للوحي.. إن القراءة هي صنو الوجود الإنساني»، بينما يذهب مفيد حسن إلى الاعتراف بأن السبب هو في الاستمتاع: «الآخرون قدموا كل ما في هذه المكتبة العملاقة من أجلي». وترى المخرجة هالة العبد الله: «أنا أقرأ للمتعة والفضول والرغبة بالمعرفة، ولأستوعب قليلاً ما يحدث حولي، وكي لا أموت اختناقاً، وكي لا تنتهي الأشياء دون أن أبني علاقة معها، وكي أتقاسم أفكاري ومشاعري مع من أحب.. وأقرأ أيضاً من أجل لعبة التحريض والفعل».      

بينما تفسّر نسرين زيدان هذه العلاقة بقولها:«أحيانا كثيرة أبحث عن كتاب لأقرأه حتى في ذروة ضجري وعدم قدرتي على القراءة، ولكن أشعر بأني إذا قرأت قد أجد جواباً أبحث عنه، قد أجد حلاً لمشكلة تضايقني، قد أقضي على حيرتي ومللي..  أكيد القراءة توسع من المعرفة وتنمي الشخصية وتفتح أمامك طرقاً جديدة وأساليب تفكير جديدة، هي بالنهاية تجارب غيرنا وفلسفات عن الحياة.. بصراحة أدعوكم إلى القراءة ثم القراءة مع أني مقلة جداً».

أخيراً لا بد من التذكير أن القراءة هي مفتاح الوعي، والوعي مفتاح التغيير، والتغيير هو الهدف والمرام.. ولعل كلام القلب لا يخرج إلا من الشاعر لأنه ترجمان الشغف بالأساس.. فهاكم ما يقوله الشاعر منذر مصري: «لدي ألف سبب لأقرأ بلا سبب!! أقرأ لأقرأ أولاً.. متابعة لذلك الشعار الذي كتبته على الصفحات الأولى من كتب كثيرة ابتعتها: «القراءة حتى الموت»، ولكني أحب ما قاله ذلك الشاب أن كل ما تحتويه المكتبة العامة من كتب ديستوفسكي قد استعارها الناس: «الكل يريد أن يفهم».. منذ فترة شعرت بأني لا أستطيع فعل شيء سوى القراءة، وكأن القراءة حقاً تساعدني على العودة إلى العالم، والعودة إلى لما ولمن أنا»..