حكي جرايد
محمد عصام زغلول محمد عصام زغلول

حكي جرايد

ثمة ضعف في القراءة يعاني منه المواطن العربي، انسحب حتى على الصحف والمجلات، وزاد الطين بلّة أن المعنيين بتلك المقالات اطّرحوها، مما أنقص من قيمتها، حتى ليقال إن كاتب المقالة لم يعد يقرأ مقالته بعد نشرها!.

 فالملل والسأم لم يأت من مجرد تكرار الكلمات وحشو السطور، وإعادة المواضيع مرة تلو الأخرى، بل أتى بشكل أساسي من الموقف اللامبالي، الحكومي والخصوصي والشعبي، من تلك المقالات ومن تلك الموضوعات.

فحين كان الوزير وحاشيته ـ في سالف الزمان ـ يتلقفون المقالات الناقدة لجهازهم ويعملون على إصلاح الأخطاء وتسويتها، كان للمقالة قيمتها.

وحين كان جهاز الرقابة يتابع تقارير الصحفيين وتحقيقاتهم، فلا يمر التحقيق الصحفي إلا بتحقيق إداري وقضائي لمواطن الفساد، كان للصحفي كلمته.

وحين كان أستاذ الجامعة والمدرسة يبحث في مقالة أدبية أو لغوية في هذه الصحيفة وتلك المجلة، ثم يلقيها على مسامع طلابه، كان للكلمة معناها.

لكن، وحيث إن الوزير ـ إن قرأ الصحيفة ـ إنما يقرؤها للمتعة والابتسامة، وحل الكلمات المتقاطعة، وإن مر سبق صحفي حول وزارته، هزئ ورمى الصحيفة جانباً.. وحيث إن الرقيب لا يعتد بكل ما تكتبه صحف الوطن..  وحيث إن الأستاذ يعد نفسه ـ يقيناً ـ أفهم من كل صحفي وكاتب..  وبما أن الصحافة المدجنة كثرت، وصحافة النمور انقرضت أو شارفت! وحيث إن القاعدة تقول (الناس على دين ملوكهم).. وبما أن ملوكنا رموا صحفنا ومقالاتنا، فلذلك كله حُقّ لكل مواطن أن يعدّ كل ما يكتب في صحفنا، وكل ما تخطه أيدي صحفيينا، وكل سبق وتحقيق وملف ودراسة تنشرها الصحيفة «حكي جرايد».

وحُقّ لنا ـ بالمثل ـ نحن الذين كُتب عليهم أن يكتبوا، أن نعيد المقالة والموضوع مرة بعد مرة بعد مرة، وأن نقرّع بها آذان كل مسؤول وكل مواطن وكل حيّ في هذا الوطن، فإن لم يبق فيه أحياء فسنسمع فيه الشجر والحجر، فما مسؤولونا بأسمع لنا منهم.

وستستغربون إن قلت، والمستقبل سيشهد، إننا سنرسل صحفنا إلى مكاتب المسؤولين بالبريد المسجل، وبالإنذارات إن لزم الأمر، وسنضعها على مكاتبهم ونلصقها على جدرانهم، وسنوصل صوت الشعب الذي يريد هؤلاء إخفاته.

ولابد للمسؤول عندها من قراءة الصحيفة وإعادتها، وإيراد تقرير مصدق عن المقالة التي تمسه، والإجراءات التي اتخذها حيال الموصوفين بالمقالة، تحت طائلة المحاسبة الجماهيرية، وسحب الكرسي من تحته، وإحالته إلى محكمة الشعب، و...

ولكن ـ بربكم ـ من ذا الذي يصدق كلامي هذا، فهو كالعادة.. «حكي جرايد»!!