فيلم سوري طويل
إذا ما وقف الإنسان السوري اليوم متأملاً أحداث حياته..مشاعره.. أفعاله وكل ما يحصل حوله سيجد أنه يشكّل مادة استثنائية لعملٍ مسرحي أو سينمائي، يتاح له هذا المرة أن يكون بطله دون منازع؛ تتبعه الكاميرات المُتخيلة والحقيقية أينما تحرك، وتتغير اللقطات وزوايا التصوير، الأزياء والديكور، وحتى الموسيقا التصويرية!
يستطيع استعارة مصطلحات: (الحبكة) (الصراع) (العقدة) (الفعل الدرامي) (الحل)، التي يجدها مناسبةً تماماً لتفسير ما يجري حوله. إلا أنه ربما سيحتار في إيجاد تصنيف ملائم للفيلم: في السابق كان يعتقد بأن حياته ستجري كفيلمٍ أوروبيٍ بطيء، لكن الأحداث التي تحصل حوله اليوم تعيد إلى ذهنه بعضاً من مشاهد السينما الإيرانية أو أحياناً أفلام «الأكشن» والإثارة الهوليودية بأكثر أشكالها تكراراً وابتذالاً (دون أي إسقاطات سياسية)!
الأم ،البطل، الطفل، رجل الدين، الثائر، السياسي المُحنّك، المقاتل، العميل، الجاسوس، ضابط الأمن، شخصيات نمطية، تُوضع دوماً في القالب الدرامي ذاته، يمكن التنبؤ مسبقاً بسلوكها، وأقوالها وأفعالها، وتحديد موقف مسبق منها.
وهنا لمستويات الصراع الذي يعيشها الفرد أو يكون طرفاً فيها أهمية خاصة، فهي قد تشكل مادة دسمة للنقاد والمحللين الذين سيقفون منبهرين أمام تعقد الشخصيات وغناها. بالطبع أخذ المحللون السياسيون والإعلاميون على عاتقهم تفسير الصراعات الخارجية: السياسية منها والمسلحة والميدانية والدولية، إلا أن الصرعات النفسية والوجدانية الداخلية التي تحكم سلوك الشخصيات وأفعالهم بقيت مجهولة مغفلة على اعتبار أنها غير ذات أهمية الآن أمام صراعاتٍ من نوعٍ آخر أكثر علنيةً ووضوحاً.
لم يعر الكثيرون بالاً «للمونولوج الداخلي» الذي يعيشه السوريون طوال الوقت، صراعاتهم غير المعلنة والخفية، مخاوفهم الحقيقة بأكثر أشكالها وضوحاً وتجريداً، خاصةً وأن وسائل الإعلام لعبت دوراً في إخفاء هكذا صراعات، وبناء شخصيات سينمائية: سطحية، أحادية الوجه، واضحة، شريرة أو خيّرة.
لا يبدو مهماً اليوم في النسخة التي تتبناها وسائل الإعلام للـ «الفيلم السوري»، الخلفيات الثقافية والتاريخية والأخلاقية للشخصيات، لا مكان للحديث عن الصراعات والخلافات العائلية، أو التوق للحب والخوف من العزلة، لا وقت في الأفلام التاريخية والعنيفة للحديث عن الرغبة في تحقيق الأحلام، والتطور في المهنة أو الدراسة، والمخاوف الصغيرة التافهة الأخرى، فتلك تفاصيلٌ لأفلام أخرى وأبطال آخرين!
ربما يكون من حسن الحظ أن ما يحدث في سورية اليوم ليس فيلماً، وأن الإنتاج ليس حكراً على جهة واحدة، والأهم من ذلك كله أن الأبطال اليوم هم نحن! نستطيع بناء الشخصيات وإظهارها بالمستوى الذي تستحقه من العمق والغنى، لتتنوع أماكن التصوير من الشوارع والمنازل والمدارس وغرف النوم وأماكن العمل والمقاهي، نستطيع كذلك التحّكم بالإضاءة، والتأثير في مسار (الحبكة) من خلال (الفعل الدرامي) الذي يرسم نهاية الفيلم أو يشكل بداية جديدة لأفلام أخرى لما تصوّر بعد!