اقتباسات : حوار ثقافي ريفي للغاية
يتم كأسه الأخير، ويلوح بيديه محتجاً على استمرارنا في الحديث عن السياسة
«يا أخي إن ما يجري معنا مضحك حقاً.. نحن نشرب والأزمة التي نتنادم بذكرها تسكر عنا».
وإذ أقاطعه محتجاً ما بالك تغير القول، كنت تقول عن طقس الربيع المبكر إن الطبيعة في بلادنا قد جنت، وصارت تسكر عنا جميعاً، يبعد الكؤوس ويستعيد هيئته الخطابية الرصينة:
«يا أخي و نديمي، أنت وأنا شخصان انطباعيان استلبتنا طبيعة بلادنا الجميلة، وأسرتنا بفتنتها الغامضة، فصرنا نهرب من واجباتنا والتزاماتنا بادعاء اللجوء والاحتماء بالطبيعة، ولكن أين المفر؟ وهذه الأزمة الثقيلة تطاردنا.. حتى و نحن في حرش الضيعة الدافىء، لقد صرت أخشى على نفسي من هذا الانفصام».
يشبك يديه خلف رأسه وينفخ متبرماً: «أفلا تساعدني لأتخلص من شعور الوحدة الرهيب هذا؟» وإذ أضحك طويلاً، وأربت على كتفه ملاطفاً ثم أقول: «أختلف معك فقد ظلمتني وظلمت نفسك بوصف «الانطباعي».. فنحن أهل ريف وطبيعة، وبهذا قد نكون انطباعيين بمعنى ما، ولكن كما يرد في مصطلحات المثقفين وأشباههم، ولا نرى الحل في الركون للجمال الطبيعي بإعادة إنتاجه كما هو...»
يقاطعني مرة أخرى: «ربما..ربما، ولكن المشكلة الأعظم أننا مثقفو ريف، لم ينجز أحد من أبناء جلدتنا أي شيء مهم يحل التناقض بين الارتباط بالطبيعة ومحبتها، وبين النهوض بمسؤولياتنا تجاهها واتجاه جماعة البشر التي تعيشها أو تغترب عنها».
أضحك مرة أخرى وأقول له: « من قال هذا، تعال غداً نقرأ كازانتزاكس».