«حاوي» والتجريب المدروس
فيلم (حاوي) للمخرج المصري إبراهيم البطوط، هو فيلم مصري مستقل وذو ميزانية إنتاجية محدودة، و تميز أيضاً بأنه قُدم بغالبية من الممثلين غير المحترفين والهواة...
يتحدث الفيلم عن بعض الفرق الفنية المستقلة (الأندرجراوند) التي كانت محاربة من الحكام السابقين بسبب موقفها الفني منهم، يسلط مخرج الفيلم الضوء على حياة الكثير من الشخصيات داخل إطار العمل، بكثير من الحب والتعاطف الشديدين، مبيناً حجم الهجمة الإنسانية والاجتماعية التي تقع عليهم من دولة القمع والاستغلال الطبقي، تدور أحداث الفيلم في شوارع وأزقة مدينة الإسكندرية الجميلة، والتي يصورها المخرج بلمسات فنية آسرة، مستذكراً الكثير من تفاصل الحياة الإسكندرانية، من أمكنة حميمة، وذكريات جميلة ترافق أبطال العمل عن مدينتهم الساحرة ، ممزوجة بكثير من الحب و الألم لما أصابها من إهمال مديني و خراب إنساني ضرب في عمق المكون الحضاري لها ...
يرصد الفيلم بكثير من تفاصيله إرهاصات مصر ما قبل التحرك الجماهيري الكبير في يوليو 2011 ، مسلطاً الضوء على الكثير من الظلم الاجتماعي والسلطوي الذي يمارس على أبطال العمل، و قدرة هؤلاء على مواجهته بأساليب مختلفة في محاولة منهم للنجاة كل حسب هدفه في ظل هذا الواقع المأساوي.
شارك المخرج إبراهيم البطوط في أداء أحد الأدوار الرئيسية في العمل، واستطاع أن يدير طاقم العمل بحرفية مكنت الكثير من الهواة وغير المحترفين أن يقدموا أدواراً مهمة في بداية طريقهم الفني ...
يعد هذا الفيلم الروائي الثالث للمخرج بعد فيلمي إيثاكي و عين شمس، وهو بصدد عرض آخر وأحدث أفلامه (الشتا الي فات) في صالات السينما التجارية بعد مشاركته في مهرجان فينيسيا السينمائي ...
المخرج إبراهيم البطوط يعد من أهم المخرجين المصريين المستقلين، وهو قادم بالأساس من السينما الوثائقية التي عمل بها طويلاً و له الكثير من الأفلام المهمة فيها، وعمل لفترة طويلة في الكثير من المحطات الفضائية الأجنبية كمصور حربي، وغطى الكثير من الحروب من خلال هذه القنوات كحرب البوسنة والعدوان على العراق.
يتميز المخرج بتقديم أعماله من خلال كاميرا واحدة في التصوير ويقوم بتصوير الكثير من المشاهد بنفسه، بالرغم من وجود مصور مرافق له في أعماله كما أنه يسلك درباً مختلفاً في إنتاج أعماله حيث لا يقوم بوضع سيناريو كامل للفيلم ويقوم بتصويره حسب دور المشاهد المعدة للتصوير، بل و يضع خطوطاً عريضة للفيلم ويبدأ التصوير من خلالها تاركاً هامشاً كبيراً من حرية الحركة والمرونة في العمل والكثير من نواحي التجريب المدروس، والذي باتت تفتقر له السينما المصرية تحديداً في ظل الإنتاج التجاري المسيطر على الساحة السينمائية المصرية، مما أدخله في صراع مع الأجهزة الرقابية والنقابات التي تشترط حصول الفيلم على أذونات التصوير بناء على سيناريو معد سلفاً ومقدم لهذه الجهات بهدف الحصول على هذه الأذونات...