دمشق مع حبّي الانشغال بالفرادة على حساب المعنى
يحاول المخرج محمد عبد العزيز فتح باب الجدل في القضايا الاستثنائية من خلال فيلمه «دمشق مع حبي»، خاصة وأن فيلمه من إنتاج القطاع الخاص، مما يحقق مطلب الجهة المنتجة أيضاً «الشرق ولين للإنتاج الفني» في أن يكون هذا الفيلم مختلفاً عما تنتجه المؤسسة العامة للسينما، بحيث يظهر النَّفَس الإنتاجي الخاص، عبر الجرأة في تناول قضية جدلية لا يمكن لسينما القطاع العام تناولها.
إلا أن هذه الاستثنائية التي يحملها الفيلم تقتصر فقط على المادة الخام له أي الفكرة المبسطة، ولا تنسحب على تفاصيل الفيلم أبداًُ، فلم يستطع الشريط بكامل بناه الفنية والفكرية والجمالية أن يقدم استثناءً أو إضافة ما على السينما السورية، تلك الإضافة التي طالما تحدث عنها مدير مؤسسة السينما ومدراء الإنتاج في القطاع الخاص بأنها لا تتحقق إلا بدخول القطاع الخاص حيز الإنتاج السينمائي في سورية.
يروي الفيلم قصة فتاة يهودية دمشقية ترفض السفر مع والدها، أقدم تاجر شرقيات في دمشق إلى إيطاليا حيث عائلتهم تقطن، وتصر على البقاء في دمشق لتركض وراء الذاكرة العاطفية التي عاشتها في دمشق، حيث تعيش قصة البحث عن الحبيب الأول ليتواكب هذا البحث عن الحبيب مع بحث عن ذاكرة كاملة لسورية وليس لمدينة دمشق، بحيث نجد من خلال قصة هذه الفتاة كل ما نريد أن نراه في النسيج السوري الجمالي والاجتماعي من طبيعة وعلاقات وريف ومدينة وما إلى ذلك، فيقدم الفيلم سورية سياحياً أو كما يشتهي مسوقو الجماليات وحسب، ليبتعد تماماً عن فكرته الأساسية ويبدأ بالاتكاء الكامل على قصص ثانوية تصبح هي الأساس والمرتكز، على اعتبار أنها مضحكة وبسيطة ومنوعة وذات رتم متواتر وغير مملة، كما هي القصة الأساسية للفيلم.
كما أن هذه الذاكرة التي يحاول الفيلم استعراضها انطلاقاً من حديث الرجل اليهودي لقريبته في إيطاليا عن دمشق، كان بالإمكان تقديمها روائياً أو حتى وثائقياً بصور أكثر وعياً للمدينة، وأكثر إمعاناً في معناها، فالقصة التي يقدمها الفيلم لا تعتمد على كون الشخصية الأساسية يهودية، وإنما يبدو ذلك مقحماً إلى حد ما، لتحقيق مستوى عال من الجرأة والاستثنائية والطرح الجديد، فهذا المجتمع المتنوع والبسيط بتركيبته، رغم تعقيداتها، والفائض بجمالياته، لا يستدعي منا تقديم نموذج مفرط في استثنائيته لنسوق على لسان حاله قصة مدينة كاملة متأطرة في علاقة حب بين فتاة وشاب من دينين مختلفين.
يحاول المخرج مراراً وتكراراً تقديم صورة سينمائية فريدة أيضاً في إطار البحث عن التفرد وهذا ما نجده في صورة الشجرة الممتلئة بأشرطة الكاسيت التي تمثل الذاكرة الصوتية لعلاقة الحب، أو بـ «السكربينة» التي تشكل نقطة استعادية للعلاقة وبؤرة للذاكرة، فلطالما استخدمت «السكربينة» سينمائياً بهذه الوظيفة، وأكبر شاهد على هذا الاستخدام هو فيلم «لا تتحرك» رائعة الإيطالي سيرجيو كاستيليتو، فبذلك أيضاً لا يخرج الفيلم عن إقحام الرمز رغماً عن أنف القصة واستيراد الصور السينمائية العالمية وعرضها لجمهور محلي مرتبط بالمكان والحب والذاكرة كتفاصيل للحياة، أكثر من ارتباطه بالسينما كقضية فكر وثقافة وفن.