بين قوسين: الترقيع
◄ خليل صويلح
لا يخص «الترقيع» الأرصفة وإسفلت الشوارع فقط، إنما يرمي بظلاله على أطياف الحياة السورية كلها. ترقيع معيشي أولاً، كأن تكون موظفاً وسائق تاكسي. أن تكون جامعياً وبائعاً على بسطة. أن تكون سياسياً وتاجر عقارات. أن تكون مستخدماً في النهار ومطرباً في ملاهي الليل. الترقيع يطال الخطط الاقتصادية أيضاً. أن تعلن برنامجاً اشتراكياً وتنفّذ تعليمات اقتصاد السوق. أن تكون ليبرالياً وزعيم قبيلة في آنٍ واحد، ومن دون مشقة. أن تمثّل الآخرين في مجلس الشعب وأنت أمي، تستخدم بصمتك بدلاً من الإمضاء. أن تدير ورشة لتعليم الأتمتة وأنت لا تجيد استخدام الكمبيوتر. ترقيع في ترقيع على ترقيع أدى في نهاية المطاف إلى اهتراء الثوب. والمعضلة أن بعضهم يتباهى بقيافته، حتى أنه لا يتردد بارتداء ربطة عنق فوق القميص المرّقع والتقاط الصور التذكارية في تمجيد اللحظة. حسب معاجم اللغة فإن الترقيع بأحد معانيه هو عملية جراحية تجميلية تغطّى بها الأماكن المشوهة من الجلد. وفي تفسيرٍ آخر: رتق الثياب البالية. نحن أمام معضلتين هما الجلد المشوه والثياب البالية. لعل ما نحتاجه في المأزق السوري الساخن هو الاعتراف أولاً بما هو غير قابل للترقيع، حتى أن بعضاً ممن أدار الخطط الاقتصادية في البلاد طوال عقد كامل، بدا كلاعب سيرك، من دون أن يواجهه أحد بأن ما يقوم به أقرب إلى ألعاب الخفة. هكذا نشأت طبقة متوحشة، وتركت بقية العباد في العراء يخوضون في وحل العوز والقفز حفاة فوق جمر العيش المستحيل لمصلحة ورشة ضيقة لعبت بمقدرات البلاد على هواها. هذه الورشة نفسها تدافع اليوم عن مصالحها الشخصية بشعارات ناريّة هي أول من ينفيها في ممارساتها. لا أصدق أن مسؤولاً حكومياً صغيراً تمكّن من فائض راتبه الشهري بأن يمتلك مزرعة في الضواحي، أو أن يستأجر مدير عام منزلاً بستين ألف ليرة شهرياً وراتبه لا يتجاوز الثلاثين ألفاً!
الترقيع يطال كل نواحي حياتنا: الصداقة والحب والمواعيد والرأي والطعام والفرجة والأغاني والمقابلات والإعلام.
أنا أرقّع، إذن أنا موجود! هذه فلسفة السوري، طالما أنه يهرب إلى الأمام من فاتورة تستحق الدفع.