مطبات: مؤتمر التوصيف الاقتصادي
لا يمكن أن يسمى أكثر من مؤتمر لتوصيف الحالة الاقتصادية السابقة والحالية، ومجرد أماني عن اقتصاد مستقبل لا تؤسس له الطريقة التي تم الإعداد فيها للمؤتمر، وكذلك الآفاق المطروحة للخروج من أزمات السوق الاجتماعية، والاشتراكية، والليبرالية الاقتصادية، وكذلك الفرق بين القطاع العام والخاص، ومسؤولية من في إيصالنا إلى اقتصاد لا يحابي المواطن، وتاجر لا يوقفه أحد.
ببساطة حضر الإعلاميون لا ليناقشوا أطنان الحروف التي كتبوها عن اقتصادهم، وانتقد كثير منهم التهميش الذي لاقوه، وقال البعض إنهم لم يأتوا ليسمعوا محاضرات في أغلبها نسخ مشوهة عن ندوات جمعية العلوم الاقتصادية.
وزير الشؤون الاجتماعية والعمل انتقد مؤتمر الحوار الاقتصادي، ووصفه بأنه كان دون المستوى المطلوب، وأن الوقت في الحديث عن اقتصاد السوق الاجتماعي والاشتراكي، وأن المؤتمر طرح المشكلات ولكنه لم يقدم حلولاً، فما طرح في التوصيات يحتاج لموازنة تقدر بأكثر من 4000 مليار ليرة.
الوزير الذي ينتمي إلى الحكومة التي رعت المؤتمر أشار بشفافية واستغراب إلى أن ثمة عقوبات اقتصادية مفروضة على سورية، لذا ينبغي البحث عن الحلول لمعالجة هذه المشكلة والخروج منها، فكان يفترض على هذا الملتقى الاقتصادي دون أن يطرح الحلول من جانب العاملين في العلوم الاقتصادية والمصرفية، وهذا ما لم يتم التطرق إليه على مدار ثلاثة أيام.. وهذا ما يجب الإشارة إليه في كون معضلة الحكومات المتعاقبة وفي كل الأزمات كانت غائبة عن لغة الواقع، فليس مهماً أن نعقد المؤتمرات ونعتني بعنونتها، وبأسماء المحاضرين والرعاة الرسميين، والضيوف، والنقل التلفزيوني، والمذيع الذي يقرأ أمام الضيوف من ورقة مكتوبة.
الذين انتقدوا المؤتمر تحدثوا عن عدم جدوى الخطابات المكررة في ظل تفاقم الأزمات، ولا يمكن هنا أن نكتفي فقط بالحديث عن أدوار ليست موجودة على الأرض، وإنما فقط صالحة للتداول في مؤتمرات كهذه، ومنها على سبيل المثال ماذا يعني أن يطلق وزير النفط قبل المؤتمر وبعده تصريحات عن توفر المازوت، وعن أشكال جديدة للدعم، وأمام محطات الوقود طوابير من المواطنين بـ(كالوناتهم)، وأرتال من السيارات بانتظار أن تمتلئ خزاناتها بالأخضر صديق البيئة.
لم يغيب المؤتمر انتقادات لاذعة للأداء الاقتصادي السيئ للحكومة المنصرمة، والآثار المترتبة على هذا الأداء من إفقار للمواطن، وهدم للشركات العامة، وتضخم الخاص على حساب الشركات الوطنية التي كانت في أزمات سابقة حصان الرهان للخروج بأقل الخسارات، فكيف بنا نخسرها... ولكنه في الوقت نفسه حمل نداءات بالعودة إلى الاقتصاد المغلق السابق، وهذا ليس بحل واقعي في ظل حصار اقتصادي، وقطاع عام بحاجة إلى من يمد له يد العون من الغرق، وأساليب دعم أثبتت فشلها واستغلالها من البعض، ومعونات وصلت إلى غير مستحقيها، وشكاوى لمئات ألوف المواطنين لم يلتفت إليها أحد، ولم تعدل قراراً، ولم يحاسب من أجل كل هذه الأخطاء موظف صغير أو وزير منصرم.
الفساد الذي قاد اقتصادنا إلى الويلات، وهمّش طبقات، وأوجد موسرين جدداً، وفقراء جدداً، وأرخى باليقين لدى المواطن على أنه في وجه الفاسدين وحيد، وأنه إما أن يساهم في اقتسام التركة الوطنية مع الفاسد أو يموت جوعاً... الفساد تناوله المؤتمر كأي عابر سبيل بال في وسط الجدار أو على حائط، ولم يقل المؤتمرون من هم الفاسدون، ولم يشيروا لهم ولو تلميحاً، وإنما جاء ذكر الفساد كطائر أسطوري لا نعرف مواصفاته، وفي الوقت نفسه نسبغ عليه ما شئنا من صفات.
تناول مؤتمر التوصيف حال التعليم، والسياسات الضريبية، وتشجيع التصدير، والحفاظ على الثروة الحيوانية... وخرج المؤتمرون بتوصيات ستكون على جدول أعمال حوار توصيفي آخر.