بين قوسين: مملكة نمل الكتابة
هل انتهت مهنة القارئ حقاً؟ عدا تراجع حصة القراءة، أو ما كان يسمّى في صفحات التعارف» هواية المطالعة»، فإننا اليوم أمام مملكة نمل الكتابة. القارئ بات كاتباً. عبارة حمقاء واحدة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي قد تضعه في مقام الكتّاب الكبار بوجود كم هائل من العميان الذين يبدون إعجابهم بأي عابر سبيل، دون أن يميّزوا بين الحنطة والزؤان.
أجيال بأكملها، عبرت برزخ القراءة بخط بياني شبه متباين.. فقد كانت خريطة القراءة تمر بتضاريس إجبارية لتشكيل الذائقة. فمن أبي حيان التوحيدي والجاحظ، إلى المنفلوطي وجبران، إلى طه حسين ونجيب ومحفوظ، وانتهاء بكنوز الرواية العالمية: تولستوي، ودوستويفسكي، وسرفانتس، والملاحم الإغريقية، وروائع شكسبير، إلى سارتر، وكامو ونيتشه، وغوته.
وإذا كان لكل قارئ مكتبته التي تختلف عن غيرها؛ لكن «أمهات الكتب» كانت قدر الجميع.
اليوم، هل بإمكاننا اجتياز البرزخ ذاته، بخصوص الجيل الجديد من القراء، بوجود مؤثرات أخرى، وضعت الكتاب عموماً ، في مكان لا يحسد عليه؟ ولكن لنفترض أن هناك خريطة فعلا، كيف يمكننا تقسيمها؟
ما هي «هيملايا» الكتب؟ وما هي أنهارها وجداولها؟ وما هي رمالها وسرابها؟ هل ينبغي على القارئ الجديد، أن يعبر الدائرة نفسها، ويقرأ الشعر الجاهلي والمعلقات، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، إلى السياب وخليل حاوي؟وما هي الوصفة الناجعة لتأسيس مكتبة، في ظل هذا «الجحيم» من تدفق الكتب يوميا من «فوهات» المطابع؟
هناك ثغرة ما، بين عادات القراءة في الماضي، وعادات القراءة اليوم، وتاليا، بات من الصعب أن تعبر القراءة سكة القطار نفسها، بوجود محطات لا تحصى للسفر.
لم يبق من الوجودية التي كانت أشبه بالزلزال، بالنسبة لجيل الستينيات، أكثر من اسم سارتر و«اللامنتمي» من دون فحص لمحتوياتها، والأمر ذاته بالنسبة لضحايا الواقعية الاشتراكية وتوابعها.
كان على القارئ «المسكين» أن يقرأ «رأس المال» دون أن يفقه شيئا، وكان عليه أن يتساءل مع لينين «ما العمل؟» وأن يستعيد مآثر الأجداد، كما لو أنها أيقونات مقدّسة.
قارئ اليوم يقف على حبل لاعب السيرك، متوقعا سقوطه في أية لحظة، فوق كومة من الكتب المتنافرة في طروحاتها وتوجهاتها،وبين معطيات الكتاب الالكتروني ووسائل الاتصال البصرية.
ببساطة، لقد انتهت مهنة «القارئ»!