المخرج إنغمار بيرغمان شاعر السينما العالمية
مثّل «أنغمار بيرغمان»، أشهر صانعي الأفلام في العالم، المحور الرئيس في ستينيات القرن الماضي، والتي وصفت بالعقد الذهبي في السينما السويدية، لقّب بشاعر السينما العالمية، حائز على 3 أوسكارات وسعفة ذهبية ودب ذهبي
لم تتحول روائعه إلى مدرسة أو حركة سينمائية وإنما غير وظيفة الكاميرا من تصوير الناس أمامها، إلى الغوص في خباياهم ومكنوناتهم الداخلية فأصبحت إنتاجاته كدراسات فلسفية معمقة في علم التحليل النفسي. أفلام بيرغمان تتحدث دائماً عن التأمل بعد مسح غبار الماضي، وغالباً عن الطفل المختبئ في أعماقنا، الحياة التي نفقدها بيسر مثل شظايا ذكريات متراكمة لأحلام نصف منسية. ربما لا تعرف الأجيال الجديدة الكثير عن سينما «بيرغمان» ومحورها الأساسي الإنسان في علاقاته مع الآخرين.
تميز السينمائي المولود عام 1918 بالكثير من الحرية الخلاقة، وبنى أفلامه على كتاباته المسرحية السابقة. وعمل مع مجموعة ممثلين خاصة به، أهمهم «ليف أولمان» ابنة بلده، ويتحدث عن ماهية تعامله مع الممثل قائلاً: «أتعامل مع الممثل مستعملاً حدسي، إن الشيء الوحيد الهام بالنسبة لي هو أن الممثل كائن بشري خلاق، وأنا أتعامل معه على هذا الأساس، إنني أشبه نفسي حينما أعمل مع الممثلين بالرادار، فأحاول أن أكون منفتحاً عليهم لأن علينا أن نخلق معاً شيئاً ما».
تكشف سينما «بيرغمان» عري الإنسان وأزماته وعقده ومشكلاته أمام الكاميرا وحتى حيائه من هذا العري، يساعده على تجسيد ذلك عين المصور «سيفن نيكفيست»، يقول «بيرغمان» عن علاقته بالكاميرا: «إذا كانت البصيرة هي أداتنا العقلية، فالكاميرا هي الميكانيكية، وأعتقد أن الكاميرا هي أكثر الأدوات إثارة في العالم. أحب العمل مع مصوري «سيفن نيكفيست»، لأن أكثر الأشياء إثارة بالنسبة لي هو رؤية الوجه الإنساني وهو يغير تعابيره حسب متطلبات المشهد».
لم يهتم كثيراً بمسألة شباك التذاكر، أو الإيرادات التي تحققها أفلامه بميزانياتها المحدودة، وقيمتها الفنية العالية، وتبنيها لرسالة مشبعة بالفكر والفلسفة والتمرد، فكل مشهد في أفلامه فيلم قائم بذاته بتشكيله الفني ولغته ومناظره، واكتسب عالميته من خلال تناوله العديد من القضايا التي تصور انهيار القيم في أوروبا، كفيلمه العظيم «الختم السابع» الذي أطلق شهرته في أرجاء العالم كمدافع عن الإنسان في مواجهة قهر السياسة والحرب.
كان ولع بيرغمان شديداً بتصوير الأحلام، لأنها تثير في نفوس شخصياته من المشاعر أكثر مما تفعل الأحداث، ولم ينظر إلى أحلامه، إلا من جهة توسيعها للواقع، وأصبح تمييز الأحلام في أفلامه يزداد صعوبة:
فمثلاً فيلم «الصمت» هو حلم من أوله إلى آخره، ويتعانق في «الفراولة البرية» الواقع مع الذكريات مع أحلام اليقظة وأحلام النوم، وفي «وجهاً لوجه» ثمة أربعة أحلام، أما في «سوناتا الخريف» فقد كان ينبغي أن يكون حسب قول بيرغمان: «حلماً لا فيلم حلم، إنما حلم فيلم».
يؤكد «بيرغمان» عن خلط الأحلام مع الحقيقة في أفلامه: «تعرفون أنكم لا تستطيعون خلق أية حالة قريبة جداً إلى الحلم بدون مساعدة السينما، لأنها أفضل طريقة للاقتراب من الحلم، إن المخرج السينمائي كالحلم في الحلم، وإن الاستقبال الجيد من الجمهور للفيلم يمكن أن يعطي المخرج إحساساً يشبه إحساس المنوم مغناطيسياً».
أنهى حياته الفنية في صيف 2007 بعزلة اختيارية في جزيرة فاو التي يسكنها ما يقارب 400 نسمة فقط، بعد وفاة زوجته في منزل ريفي يتسلق حوافي البحر، وصفه المخرج الأميركي وودي ألن: «من المحتمل أنّه الفنان الأعظم منذ اكتشاف كاميرا الصورة المتحركة».
نتاجه غزير فلديه أكثر من 60 فليماً وعدد كبير من المسرحيات والتمثيلات الإذاعية والتلفزيونية.
ودّع بيرغمان جمهوره في مهرجان البندقية عندما قرر الاعتزال عام 1983 قائلاً: «بمجرد اعتزالي أصبحت مأمون الجانب، ومضيت أتجول في طريق كواليس الذاكرة المغمورة بضياء عذب. وأصبح عندئذ ضرورياً، أن أرى أفلامي وأشاهد نتاجي خلال 40 سنة، ووجدت نفسي في مواجهة عنيفة مع واقع أفلامي. فأنا حينما لا أبتكر، لا يعود لي وجود».