منع محمود درويش
عباس بيضون عباس بيضون

منع محمود درويش

هذه "الفاصلة" هي الأخيرة، لكن الحدث الذي نحن بصدده لن يكون الأخير. ثمة باستمرار كتب ممنوعة، لدى كل معرض يخطر لأحدهم أن يمنع كتاباً، ولغاية لا يفصح عنها، فمن يطالبه بتفسير ومن له عليه حق التوضيح والتبرير. كل ما في الأمر أن كتاباً لا يدخل إلى المعرض. يمكننا هنا أن نتكلم عن رفض عشوائي، لكن الرفض ليس دائماً عشوائياً والكتب لا تمنع للاسبب، حتى لو بقي السبب في سر صاحبه، حتى لو لم يدرك هو السبب. فات وقت السؤال لماذا هذه المعارض، لقد غدت تقليداً وتقليداً مكلفاً في أحيان. ما هو النظام الذي يشغله همّ تثقيف الشعب، المعارض والمهرجانات هي جزء من عظمة السلطان، إنها قبل كل شيء نوع من التتويج والاعتراف، نوع من شرعية مُضافة للحاكم.

لكننا هكذا ابتعدنا عن الخبر وهو بحد ذاته غريب. الخبر هو منع أعمال محمود درويش الكاملة من الدخول إلى معرض الرياض، لا ننتظر ممن منع أن يفسر المنع. لا نعرف إذا كانت هذه هي المرة الأولى التي تمنع فيها أعمال محمود درويش من الدخول إلى الرياض. لا نعرف ماذا دار في خاطر الذي منع حتى أقدم على ذلك، بالطبع لا ننتظر سبباً مفهوماً، قد يكون السبب هو ذكر الخمر في واحدة من قصائد درويش، قد يكون السبب هو ذكر الكمنجات في أكثر من قصيدة. لا تبحث عن السبب، فثمة في كل كلام، أياً كان الكلام، سبب للمنع، ألا يدل كل كلام على طبيعته التي قد تكون دنيوية وقد يكون فيها كذلك ما يُتوجس من أن يخالف العقيدة. أو يكون فيها ما لا يناسب حدوداً متشددة، يكفي أن يتم الكلام عن أمر من أمور الحياة أو امر من أمور الواقع حتى يمكن أن يرى فيه واحد، بحسب فهمه ومزاجه، ما يخالف العقيدة أو الشرع، العقيدة هنا لا تنفصل عن السياسة وما يُحمل على السياسة قد يُحمل على الشريعة، وقد يكون في كلامٍ سياسي ما يمكن ان يعتبر تجديفاً أو هرطقة أو شبهة.

قد تكون هي المرة الأولى التي تمنع فيها أعمال محمود درويش لأن أحداً تأمل فيها ووجد ما لا يلائم أو ما لا يليق، بالطبع لا يهم أن يكون محمود درويش شاعراً كبيراً، أو أن يكون من ألمع الأسماء الأدبية وأكثرها شهرة، لا يهم ذلك فهذه أيضاً من أمور الدنيا ومن يبتغي غير الدنيا لا يبالي، وإذا وجد حرف واحد لا يلائم أو كلمة واحدة لا تناسب فمن حقه أن يمنع الكتاب ولو كان لمحمود درويش الذي تملأ شهرته الآفاق.

قد يجد البعض في هذا المنع فضيحة أدبية، فمنع شاعر كمحمود درويش هو إحدى أيقوناتنا الأدبية وبعد سنوات من وفاته التي نصبته على الشعر العربي الحديث، ليس حدثاً عادياً، لكن تقديراً كهذا يمت إلى السياسة لا إلى العقيدة، ومن يقيم دولاً على غير السياسة يمكن أن يفاجئنا كل يوم بما لا يناسب الأدب ولا يناسب السياسة وقد لا يناسب الشرع أيضاً.

 

المصدر: السفير

آخر تعديل على السبت, 15 آذار/مارس 2014 22:31