ماذا في ديوان العرب اليوم؟
يقف الشاعر السوري الشاب أمام تحديات كبيرة وأسئلة كثيرة تضعه على المحك تجاه مشهد شعري جديد (يؤلفه البعض) مازال يراوح في مكانه، بقوالب مسبقة الصنع، وأدوات مستهلكة، وعبارات جاهزة للغة متوارثة بمفردات وتعابير ألفناها وحفظناها عن ظهر قلب، لغة لا تخرج عن كونها اجتراراً لتجارب الآخرين، بغير خلق أو رؤية جديدة.. بغير أفق أو تطلع رحب لغد شعري جديد ينبغي أن يولد ويشرق.
معظم ما يوجد اليوم، هو محاولات شعرية شابة لاتكاد تخرج عن الإطار الشخصي، ولا تتسع لغير يوميات وحالات نفسية يفرغها (الشاعر) بما يملي عليه مزاجه ومناخه النفسي، من فرح وتعاسة، وحب وفقد، بذاتية لا تشرك القارئ بشيء، ولا تسمح له بالاكتشاف، وتحرمه متعة البحث عن معادلات للجمال ومساحات أوسع للمعنى، محاولات تقرأ لمرة واحدة، ثم يخبو بريقها بغير عبرة أو أثر.
فهل بدأ الشعر يفقد بريقه وإيحاءه وقيمه الجمالية؟ هل ضاقت رحابته ليقتصر على الشخصي والذاتي؟ هل ضاق المعنى عن احتمالات أكثر اتساعاً وإيغالا في العمق الوجودي والجمالي؟ ألم يقل الشاعر أدونيس: «عش ألقاً، ابتكر قصيدة، وامض زد سعة الأرض».. وكذلك رامبو الذي قال: «أريد الحصول على لغة تختصر كل العطور والأصوات والألوان»؟.
فإذا كان الشاعر الحقيقي لا يرتاح لأدوات جاهزة وبالية، ويغريه الغوص في البحث والخلق الجديد على صعيد المضمون والتكنيك في آن معاً، فالشاعر ذو موقف دائم من العالم ومتغيراته يجاريه بأدوات جديدة، وخلق دائم، ولغة تستوعب المناخ الجديد، (الفن إما يجاري أو يموت)، فأين يمضي الشاعر الشاب الآن؟ وأين هو من الشاعر الحقيقي؟ والسؤال الأهم: هل يقف بمسؤولية تجاه قصيدته التي ستحسب على الشعر السوري (العربي)؟؟
في ظل الأوساط الثقافية السائدة اليوم، أصبحت كتابة الشعر بكل أسف، إحدى سمات «المثقف»، الذي سيكتب الشعر (أياً يكن) ليكون مواكباً لـ«الحركة الثقافية» المتخبطة، وفي ظل رقابة لا رقيب لها إلا (ما تراه)، شعر سياسي أو إباحي، ولا ضير إن كان فارغاً وسطحياً!، وفي ظل بعض دورالنشر (التجارية) التي لاهم لها سوى الطباعة والربح، أصبحنا أمام سيل من الاصدارات الشعرية، التي تعج بها المكتبات و(البسطات)، لكن السؤال المهم: هل ستضيف هذه المحاولات لمكتبة الشعر العربي أي جديد؟ والسؤال الأهم: أين تكمن المشكلة؟ هل هي في غياب النقد والمعايير الموضوعية، أم هي أزمة المتلقي الذي بدأ يبتعد عن تذوق الأدب والفنون تحت وطأة الحياة والتلوث البصري والسمعي؟ هل هي مسؤولية (الشاعر) الذي يطمح بأي سبيل لتبوؤ موضع اجتماعي مرموق سيتبعه من خلاله الغاوون، أم أننا لم نعد نقرأ مذ بدأ الكتاب يفقد قيمته كخير جليس؟.
اليوم وبعد أن رحل السياب ودرويش والماغوط، وسيرحل غيرهم ممن أغنوا الساحة الشعرية وتركوا إرثا عظيما لشعراء الغد، فكانوا بامتياز شعراء القرن العشرين، هل هناك من يؤسس لمشهد شعري جديد سيبلور ما يسمى بشعر القرن الواحد والعشرين، أم سنظل نقتات من عطاء أسلافنا؟ وهل ستأتي أجيال لتتحدث عن شعراء القرن الواحد والعشرين، كما تحدثنا وتأثرنا وأحببنا شعراء القرن الماضي.. أم...؟
إذا كنا نتغنى دائما بأن الشعر هو ديوان العرب، فما الذي سيقوله هذا الديوان اليوم؟.