بين قوسين:نادي الأميّة الثقافية
الأزمة التي تعيشها البلاد، أضافت إلى القائمة أعضاء جدد في نادي اللا قراءة. يتذرّع هؤلاء بأنهم هجروا القراءة لأسباب نفسيّة في المقام الأول. شخصيّاً أرى أننا بسبب عدم القراءة وصلنا إلى ما نحن فيه، وتبيّن أن معظم المنشغلين بالحراك لا يعرفون شيئاً عن تاريخ سورية، القديم والحديث منه، وتالياً فإننا بحاجة إلى تغيير في الأدمغة أولاً، قبل أن نفكّر بصناعة سورية جديدة من الوهم. ما نحتاجه هو الخيال:
في استفتاء أجراه النادي النرويجي للكتاب لاختيار أهم مئة كتاب خيالي في العالم، اكتفى الخيال العربي بكتابين معاصرين فقط، هما «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، و «أبناء الجبلاوي» لنجيب محفوظ، وهي حصة ضئيلة تدعو للأسى حقاً، وتعبّر بعمق عن غياب الكتاب العربي عن ساحة القارئ العالمي، وكأن اللغة العربية خارج إطار المنافسة، وهو ما يدعونا إلى التفكير بحال الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، وقدرة هذه اللغة على مواكبة الخيال العالمي. عدا هاتين الروايتين، سنجد في القائمة «ملحمة جلجامش» وهي نص سومري قديم، و«ألف ليلة وليلة» التي لا يمكن اعتبارها نصاً عربياً خالصاً، إذ عبرت «الليالي» من الهند مروراً ببلاد فارس، ثم حطت رحالها في بغداد، قبل أن تهاجر إلى مصر. بالطبع ليس للقراءة وطن، ولكن لكل كتاب جغرافيا أولى، أو مشتل تنمو في ترابه الكلمات، وهذا يعني وفقاً لنتائج الاستفتاء، أن الجغرافيا العربية (لغوياً) أشبه بصحراء جرداء، أو وادٍ غير ذي زرع. نقرأ كل يوم تقريباً عن حركة ترجمة حثيثة من العربية إلى اللغات الأخرى، لكن هذه الترجمة لم تترك أثراً في ذائقة الآخر، على غرار «أسمع جعجعة ولا أرى طحناً». وهذا الواقع يذكّر بالمشروع الذي أطلقه قبل سنوات اتحاد الكتاب العرب بترجمة مئة رواية عربية إلى الانكليزية، ثم طواه النسيان ولم يكتمل أبداً. اهتمام الآخر بترجمة نصوص عربية تكتنفه شكوك كثيرة، فعدا ركاكة الترجمات، تلعب العلاقات العامة دوراً أساسياً في الاختيار، إضافة إلى تخندق المترجم وراء نصوص تقليدية غالباً ترضي شهوات القارئ الغربي عن «سحر الشرق»، وهناك سبب جوهري آخر لهذه الموجة من الترجمة، يتعلّق بالاطلاع على إبداعات قادمة من مناطق ملتهبة، أو على الأرجح: بلاد تصدّر الإرهاب إلى العالم، وتالياً، فإن قراءة هذه النصوص تخضع لاختبارات سوسيولوجية في المقام الأول، للتعرف على نمط تفكير، وليس بوصفها إبداعاً خالصاً، بدليل أن معظم الروايات العربية المترجمة ُتصدرها دور نشر جامعية، وتالياً فإنها لن تصل إلى القارئ العمومي، مثلها مثل الروايات العالمية الأخرى، وكأنها فئران اختبار.
في القائمة ذاتها نقرأ عناوين في الرواية والقصة والمسرح، فنكتشف أن أعمال كاتب أوروبي واحد، تعادل الحصة العربية وتتجاوزها، مثل صموئيل بيكيت، أو كافكا، أوفرجينيا وولف، أوفلوبير، كما تم اختيار «دون كيخوته» لسرفانتس كأفضل عمل خيالي في العالم، وهي تستحق فعلاً، لذلك سنستمر عربياً بمحاربة طواحين الهواء، ونعيش الوهم!