بين قوسين :المهنة مطلّقة وروائية طبعاً
ماذا لو ألغينا مصطلح «الأدب النسائي» من التداول في قاموس النقد؟ لاشك أن بعضهنّ سيرفعن سيوف أحمر الشفاه في وجه المحاولات الهدّامة. ذلك أن نصوصهنّ نمت وترعرعت في ضواحي الكتابة العشوائية، تلك الكتابة التي تنهض على الشكوى والثأر من رجل افتراضي،
دمّر حياتهن العاطفية، وآن الأوان ـبعد الطلاق غالباًـ للانتقام منه، وطرده من الفردوس. هذه كتابة تقع خارج المعايير الأدبية، وتدخل ببساطة في باب اليوميات والمدوّنات الشخصية، كتابة لا تصمد نقدياً، إلا بوصفها تعبيراً عن بوح ذاتي، أقرب ما يكون إلى الإنشاء النافل، ثم إنها تنخرط في تدوين حكاية دون أية بلاغة جمالية، لعلها أقرب إلى كتابة الاستدعاءات أمام القصر العدلي مرفقة بتقارير طبية ومحاضر شرطة، وتصح فيها أغنية سعاد محمد «مظلومة يا ناس»، إلى أن ينتهي البث. تبدأ التدريبات على هذا النوع من الكتابة بالقصة القصيرة، وحين تشتد الآلام والجراح إلى أن تصل إلى العظم، تقتحم فضاء الرواية. وكأن المسألة تتعلق بحجم الضيم الشخصي، وليس ضرورات النوع الأدبي وعناصره البلاغية.
المشكلة أن كل الندوات والنقاشات التي تُعقد هنا وهناك، ترفض مصطلح«الأدب النسائي» جملةً وتفصيلاً، لكنها سرعان ما تطفو على السطح ببراغماتية تتطلبها أحوال العيش في المقام الأول.
الكتابة الإبداعية على وجه العموم، تتجاوز الجنوسة، بدليل أن الأنوثة كنبرة إيقاعية ومعجم مفردات نجدها في نصوص كتاب وكاتبات كنسق ثقافي يسعى إلى تأنيث العالم من وجهة نظر معرفية، وليس لاعتبارات بيولوجية، لعل قصيدة النثر على وجه الخصوص تصب في معظم نماذجها في إعلاء شأن تاء التأنيث لجهة اندحار مفردات الفحولة، وفحص واختبار معجم أنثوي يقوم على مديح الطمأنينة المشتركة، وينصرف إلى تمجيد الموجودات والأشواق الإنسانية. يستعير الرجل في وصف المرأة، مفردات شفيفة وحسيّة، فيما تذهب بعض كتابات النساء إلى وصف الرجل بالوحش الكاسر الذي ينبغي وضعه في قفص والفرجة عليه في حديقة الحيوانات.
ولكن لماذا لم توضع كتابات غادة السمّان، وحميدة نعنع، وسنية صالح، وأمل الجراح، إلى هدى بركات، وحنان الشيخ، وميرال الطحاوي، وأخريات في قالب الكتابة النسائية؟
لأنها ببساطة كتابات تستمد شرعيتها من الأدب نفسه وليس من استغاثات جنسوية من خارج الأدب.
قد يصح مصطلح «الأدب النسائي» على بعض الجغرافيات العربية المغلقة، تلك التي تتلمس فيها المرأة ذاتها حديثاً، أما أن يعمم المصطلح ، على كل البلدان العربية، فذلك خطأ مقصود، يصب في خانة الدفاع عن نص غير مكتمل محمول على رافعة لا أدبية بالتأكيد، فهناك فرق بين كتابة الإنشاء والنص الإبداعي، فالمطلوب إذاً إزاحة المدوّنات الشخصية جانباً والالتفات إلى ما هو أدب وحسب.
المفارقة أن معظم الكاتبات العربيات لا يترددنّ في قبول أية دعوة إلى مؤتمر أو ندوة حول«الأدب النسائي»، وهناك فوق المنصة وبين غابة الميكرفونات، وفي أروقة الفنادق، يرفضن هذا المصطلح، والسؤال:إذا كنتِ أيتها الكاتبة ضد هذا المصطلح فلماذا توافقين على المشاركة وتحمّل وعثاء السفر؟
لنفصل إذاً، بين تاء التأنيث، ونون النسوة، ونقول:حسناً اكتب اكتبي أدباً جيداً وحسب.