مانويل جيجي لـ«قاسيون»: المسرح مثل الحياة يحدث للإنسان مرة واحدة
المخرج مانويل جيجي من أهم الأسماء المسرحية في سورية، أخرج منذ إنهائه الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية في أرمينيا عام 1975 ما يزيد عن 57 عرضاً مسرحياً منها أنشودة كاليغولا، والمهاجر، والدب، ويوميات مجنون، وغني ثلاثة فقراء وغيرها. عمل في المسرح العسكري والمسرح القومي، ودرس في المعهد العالي للفنون المسرحية، إضافةً إلى مشاركاته وإشرافه على عددٍ من الورشات المسرحية في سورية والكويت والمسرح الأرمني.
ما الذي دفعك للإخراج المسرحي؟
هناك سببان لخياري الأول ذاتي، أحببت المسرح منذ الصغر. والثاني موضوعي يتعلق بالنمطية التي طغت على بعض العروض المسرحية السورية التي حضرتها فكانت متشابهة في الأداء والحركة والصورة، أردت أن أعمل وأقدم شيئاً جديداً، وهذا ما فعلته بعد تخرجي فعندما أخرجت مسرحية المهاجر في الكويت وعدت لإخراجها في سورية، كان هناك اختلاف كبير بين العرضين ..
أرفض التشابه في أعمالي، ولذلك أعتمدت على البصمة التي أحاول أن تكون واضحة وتدل على العمل . واعتمدت على الصورة أيضاً فنحن الآن في عصر الصورة التي تحكي وتقول أكثر من الكتابة ، وأنا لست ضد الحوار في المسرح ولكن أحب التعبير بالصورة لأنها لا تنسى وتتحول إلى أفكار. فهناك فلسفة الصورة يقول فيها الممثل حواره بلا كثير من الكلام، أذكر مثلاً مشهداً في مسرحية «الأم» لمكسيم غوركي التي حولها بريخت لشكل مسرحي، كان يوجد مشهد مظاهرة من 13 صفحة،لأنها مسرحية ملحمية، فاختصرت المشهد في دقيقة ونصف دون أن أنقص روح الحوار وكانت جميلة ومؤثرة وإلى اليوم مازلت اختصر ولا أرمي شيئاً من النص بل أعوض عنه بمشاهد بصرية.
لماذا لم يتطور الفن المسرحي عندنا؟؟
السبب الرئيسي أن فنون المنطقة فنون زخرفية، لا يوجد فيها تشخيص للإنسان وبعض البلدان لايوجد فيها تماثيل في الساحات العامة، بينما في اليونان مثلاً كان يوجد مسرح قبل الميلاد، فقد نقلوا الآلهة وتماثيلها على شكل تراث عندما تطورت المجتمعات تتطور الحالة الفكرية والجمالية بالوقت نفسه، إذ لا يوجد انفصال بين الشكل والمضمون.. المسرح لم يتطور لأننا بدأنا بشكل متأخر، كل شعب له مسرحه هناك شعوب تأخرت وشعوب تطورت مثل اليونان والرومان بينما بدأ المسرح عندنا مع أبي خليل القباني وهولم يأت في ظروف طبيعية لأننا كنا تحت الاستعمار التركي ولذلك حورب وطُرد وتعذب كثيراً..
كيف تصف واقع المسرح حالياً؟
وضع المسرح في سورية أعرج، فمنذ أن كان عدد سكان دمشق 400 ألف نسمة وجد مسرحان (القباني والحمرا) وأصبح الآن عدد سكان دمشق 5 ملايين ومازال المسرحان نفسهما..!! لا يوجد لدينا أرضية خصبة لتربية الأجيال على حب المسرح، واعتباره حاجة، أتذكر عندما كنت في موسكو كان هناك طابور طويل حوالي كيلومتر يقفون منتظرين شراء بطاقة، وصل الأمر لدرجة أن تملأ فراغات المرور بين الكراسي بالحضور، وأتذكر أنني حضرت مسرحيتين أو ثلاث هناك واقفاً على أقدامي. لا يتطور المسرح بالاعتماد على المبادرات الفردية التي يحاولها البعض. وحتى الكتاب يلزمهم احتكاك بصري حقيقي وضروري للكتابة المسرحية التي تختلف عن بقية الكتابة الأدبية فالمسرح ليس دايلوج فقط، ولكن هذا للأسف ليس متوفراً لدينا.
لا يوجد اهتمام بمسرح الطفل مع أن الطفل أعظم ممثل.المسرح يجب أن يبدأ من الصغر.
ما الذي يميز المسرح عن بقية الفنون الأخرى؟
المسرح طازج فيه حيوية، وهو لحظي، أي مسرحية تصور على الفيديو مثلاً لا تكون مثل العرض الحي لأن النبض الحي يفقد 50% من روحه ويفقد الانسجام الذي يوفره العرض الحي وحضور السينما يختلف عن حضور المسرح وقد كنت ضد بعض التجارب التي أدخلت تصوير بعض اللقطات المصورة إلى العرض المسرحي .
أهم أسس المسرح هو النفس الحي فما الحاجة لتصويرها مادام هناك بدائل بصرية، مثلاً فكرة خيال الظل كانت موجودة من مئات السنين كان في الصين ودول آسيوية وعربية وتستند على شخصيات مصنوعة من الجلد وغيره.. ففكرت لماذا لا نحوله لمسرح؟ قمت بعمل مسرح حقيقي منه من خلال الإضاءة أعطيته حيوية وإنسانية وحياتية أكثر. بينما الدمى والألعاب ميتة، في خيال الظل يعطي إطفاء وإشعال الاضاءة مكاناً وشخصيات جديدة، وقد نلت جائزة أفضل تقنية في مهرجان القاهرة رغم منافسة آخرين منهم مخرج ايطالي عمل خيال ظل لكن بتقنيات الكترونية افتقدت الحيوية، خيال الظل فيه روح إنسان يتحرك.. هذه هي جمالية المسرح هو مثل الحياة يحدث للإنسان مرة واحدة.
كيف يمكن للمسرح أن يكون حالة اجتماعية؟
وردةٌ واحدة لا تأتي بالربيع، وعرض جميل لا يعمل مسرحاً اجتماعياً متكاملاً وحتى الآن نعاني من هذا، فوزارة الثقافة هي المعنية بتمويل ودعم المسرح كتابةً وتمثيلاً وإخراجاً ولكنها كانت دائماً مقصرة في كل الفنون تقريباً.
والمسرح أبو الفنون يحتوي على الموسيقا والحوار والرقص والديكور والإضاءة وعندما تكون كلها متخلفة يتخلف المسرح. ما زلت أتمنى أن أعمل عرضاً مسرحياً كما في الخارج، أحياناً يوجد لدينا عروض جميلة لكنها استثنائية.