كاربوف: ستالين والسينما
يؤكد الكاتب فلاديمير كاربوف في كتابه القائد الأعلى قائلاً:« توصل ستالين إلى قناعة مفادها أن الفن شأنه في ذلك شأن الأعمال التربوية والسياسية يلعب دوراً هاماً في حياة المجتمع ولهذا كان يستمع إلى آراء المثقفين ومقترحاتهم من أجل تحديد الطرق والوسائل التي تحرك ممثلي الثقافة
وعندما فهم الآلية التي تتشكل بها الحياة الروحية والوحدة المعنوية اللازمة، قرر التأثير عليها وتوجيهها إلى الطريق الذي يؤمن تنشئة الإنسان السوفيتي على أسس أخلاقية ومعنوية رفيعة». وبدأ ستالين تنفيذ هذه المهمة من خلال السينما والأدب والفن.
ولهذا فقد أولى ستالين اهتماماً خاصاً بالسينما التي كان يعتبرها أكثر الوسائل فعالية للتأثير على مجموعة كبيرة من الناس ولهذا يجب استخدامها كأداة تربوية فعالة لدعم الأخلاق الجديدة الاشتراكية الطابع في ذلك الحين وأقام بنفسه مكان الحديقة الشتوية في الكرملين صالة سينمائية لمشاهدة الأفلام وكان يدعو إليها أعضاء المكتب السياسي لمناقشة هذه الأفلام وكان ستالين نفسه يشاهد يومياً فيلماً أو فيلمين.
أعجب ستالين بفيلم «تشابايف» للمخرجين الإخوة فاسيلييف وبالأداء الرائع للمثل بابوشكين ليس بسبب سويته الفنية فحسب وإنما لتأثيره التربوي الهائل أيضاً لذلك طلب من المخرج دوفيجنكو إخراج فيلم مشابه عن شورس «تشابايف أوكرانيا» سعياً منه لزيادة تقارب الشعبين الشقيقين في روسيا وأوكرانيا.
وبحسب الصورة التي يرسمها المفسرون في هذه الأيام لأعمال ستالين فإن الأمر لم يتعد قيام ديكتاتور باستدعاء المخرج دوفيجنكو وإعطائه أمراً بإنتاج فيلم عن شورس، بينما في الواقع كان ستالين يتعامل بلطف مع كل العاملين في مجال الفن وكان يعطي الإبداع والمبدعين حقهم ويتذكر المخرج دوفيجنكو كلمات ستالين عند الحديث عن فيلم شورس: «لا كلامي ولا كلام الصحف سيكون ملزماً أنت إنسان حر في أن تقوم بإخراج فيلم شورس أو لا، وإذا كنت مشغولاً بأعمال أخرى فقم بها ولا تخجل».
«الفتية الفرحون»..!
في السنوات السابقة للحرب، أعطى ستالين أهمية كبرى لموضوع تعاضد الشعوب وتوطيد الصداقة فيما بينها وكذلك لتنمية التماسك المعنوي وبث الروح القتالية للدفاع عن الوطن في وقت كانت الحرب تدق طبولها بأشكال عدة منها الداخلية والخارجية، فأنتجت مجموعة أفلام وطنية منها: «الحرب يمكن أن تبدأ غداً»، «بطرس الأول»، «نحن من كرونشتادت»، «ألكسندر نيفسكي»، «مينين وبوجارسكي»، «سوفوروف» ، «آرسين».
وقفت الدولة إلى جانب مبدعي السينما الآخرين فبالإضافة إلى الجوائز والأوسمة أعطيت عام 1935 سيارة كهدية لكل من إيزنشتاين والإخوة فاسيلييف وبودوفكين وكوزنتسوف وغيرهم تشجيعاً لهذا النوع من العمل الذي كان في بداياته.
ولم يكن ستالين متزمتاً أو جافاً كما يدعي الكثير من الكتاب بل كانت تعجبه الأفلام الكوميدية مثل فيلم «الفتية الفرحون» للمخرج ألكسندروف والذي لاقى نقداً جارحاً من بعض القادة السوفييت حينها بسبب محاولة المخرج إعطاءه طابعاً أمريكياً هوليوودياً أما ستالين فقد صرح بعد مشاهدته للفيلم بأنه قد شعر وكأنه قضى شهراً من الراحة..!!
الصراع مع التروتسكية
كما ساعد ستالين المخرج روم والسيناريست كابلر في فيلمي «لينين في أكتوبر» و«لينين عام 1918»، بحكم معرفته وقربه الشديد من الشخصية التي تناولها الفيلمان، كما ساعد إرملر في فيلمه «المواطن العظيم» وفي ملاحظاته على الفيلم الأخير حدد ستالين جوهر الصراع مع المعارضة التروتسكية بقوله: «الصراع مع التروتسكيين يبدو وكأنه صراع على السلطة بين حزبين ولكنه في الحقيقة هو مجابهة بين برنامجين أحدهما يلبي متطلبات الثورة ويحظى بتأييد الشعب بينما الآخر يناقض مصالح الثورة ويلقي معارضة الشعب».
في آذار عام 1941 تم منح جوائز ستالين لستة كتاب وهم: ألكسي تولستوي عن «بطرس الأول» ولشولوخوف عن «الدون الهادئ» وليسرغييف تسينسكي عن «قلعة سيباستوبل» كما حصدت الأفلام المنتجة عن الروايات السابقة أكثر من 25 جائزة.
كان اهتمام ستالين منصباً على إعداد أجيال جديدة تتمتع بأخلاق عالية وروح سامية، وكانت الأعمال المرشحة تغطى بشكل واسع على وسائل الإعلام وصفحات الجرائد، حتى وصل الأمر إلى درجة حوت كل سرية وفوج في الجيش على غرفة للمطالعة ومكتبة إضافة إلى قاعات للسينما.
ساعد ستالين على تدعيم الفن والأدب والسينما في تحقيق أهدافه التربوية ومنها منع ظاهرة الشهوانية والغرائزيات الحيوانية والعنف التي تسيطر على كل وسائل الدعاية والإعلان وشاشات السينما وصفحات المجلات اليوم، وإظهار الأعمال التي من شأنها بناء الإنسان الجديد.
مرت الذكرى الواحدة والستون لرحيل ستالين وما يزال حاضراً بشخصه وأعماله في ساحات الكفاح نموذجاً للنضال الثوري الذي أرعب النازيين والليبراليين في حياته ولا يزال يرعبهم بعد رحيله وما يزال تراثه منصة الثوريين المعرفية التي ستقف عليها الشعوب حتماً في كفاحها من أجل اشتراكية القرن الواحد والعشرين، ومنها فن السينما بغية إعادة ألقه ومهمته في بناء الإنسان الجديد وتشييد الأسس الروحية لحياة الشعوب وأخلاقها.