قراءة في كتاب: «التنظيمات اليسارية في الجزيرة والخليج العربي»
كثيرون لا يتصورون أنّ هناك حركات يسارية وشيوعية في الجزيرة والخليج العربي منذ أوائل الخمسينيات، وكثيرون لا يدركون حجم عملها وتضحياتها ودورها، بسبب طبيعة الأنظمة الدينية والعشائرية والعائلية الحاكمة وهيمنتها المطلقة وتحريمها لأي عمل سياسي مهما كان، وظروف العمل السري فيها، والتعتيم الإعلامي الكبير..
تأريخ وتوثيق
أن توثق وتؤرخ لقضية ما فأنت تحتاج إلى وقتِ وجهد كبيرين، كذلك إلى معرفةٍ ووثائق وحقائق تتيح نقلها بشكلٍ علمي وموضوعي..
وأن تؤرخ وتوثق لحركاتٍ يسارية في الجزيرة والخليج العربي في ظل قلة وندرة الوثائق بسبب ظروف القمع الشديد والإرهاب التكفيري فهذا يتطلب معرفةً دقيقة وجهوداً مضاعفة..
و أن تؤرخ أيضاً وتوثق لهذه الحركات في هذه الظروف ضرورة موضوعية نتيجة قلة الدراسات وبعد تراجع استمر عقوداً، وبداية نهوض للحركات الثورية عموماً واليسارية خصوصاً..
هذا ما فعله المناضل عبد النبي العكري في كتابه التنظيمات اليسارية في الجزيرة والخليج العربي..فهو أحد المشاركين في هذه التنظيمات ولطبيعة علاقته بالعديد من قياداتها وتفرغ لهذا العمل على مدى عقود ثلاثة أمضاها خارج الوطن متفرغاً للعمل السياسي .
الكتاب في طبعته الأولى عام 2014 يتألف من أربعة أبوابٍ بما يقارب 300 صفحةٍ من القطع الكبير وصادر عن دار الفراديس في البحرين، وهو إنصاف لتاريخ هذه الحركات ومناضليها وتضحياتهم من أجل شعوبهم والتي لم ولن تذهب هدراً .
منهج الكتاب وأبوابه..
الكتاب ليس وثائقياً فقط وإنما هو تحليلي وفق منهج علمي هو المنهج الماركسي وهو يعتبر ليس مرجعاً فقط وإنما يستطيع القارئ له فهم ما جرى وما يجري حالياً ويستشفّ من خلاله التحولات المستقبلية القادمة، وما تشهده منطقتنا حالياً في صراعها مع الإمبريالية العالمية الصهيونية وليبراليتها الجديدة وكذلك الأنظمة القمعية والديكتاتورية القائمة على الاستغلال والنهب واحتكار الثروات والسلطات وهي أكثر الأنظمة تخلفاً في العالم .
تناول المؤلف في الباب الأول ظروف نشأة هذه التنظيمات التي ارتبطت باكتشاف النفط والانسحاب البريطاني ومنح الاستقلال لدول الخليج ونشوء مجلس التعاون الخليجي، وانتصار الثورة الإيرانية والحرب مع العراق وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفيتي مراعياً في ذلك خصوصيات المجتمع الخليجي .
وتناول الباب الثاني التنظيمات الشيوعية ومنظماتها الجماهيرية وبرامجها ومواقفها ومراحل تطورها وكان أهمها جبهة التحرير الوطني في البحرين 1956، وجبهة التحرر الوطني في السعودية 1956 والحزب الشيوعي في السعودية 1975 واتحاد الشعب الديمقراطي في الكويت 1975.
أما الباب الثالث فقد تناول تبلور التيار الماركسي في الخليج وأشهر قادته ومفكريه وتنظيمات اليسار الجديد وجبهاته والذي شمل 12 تنظيماً وأبرزها الحركة الثورية الشعبية في عُمان والخليج العربي والجبهة الشعبية لتحرير الخليج المحتل وغيرها.
وبحث الباب الرابع تحولات اليسار في الخليج وخاصةً بسبب حرب الخليج الثانية، وانعكاسات البيروسترويكا ثمّ انهيار الاتحاد السوفيتي.
والكتاب مرفق به المراجع وملحق لنماذج من الوثائق والمنشورات والصحف..