«أبو عرب» يرحل.. و(توتة الدار) باقية

«أبو عرب» يرحل.. و(توتة الدار) باقية

«يا توتة الدار.. اصبري ع الزمان إن جار.. لا بد ما نعود مهما طوّل المشوار» بهذه الكلمات ملأ رمز الأغنية الفلسطينية «أبو عرب» حقيبة الفدائي والمهجّر على حدّ سواء، لترسم بحّته الفلسطينية حلم الأول بالتحرير وأمل الأخير في العودة...

مضت معه تلك الأغاني في رحلة تجاوزت حدود الانقسامات في داخل فلسطين وخارجها، في حنجرته انتماءٌ لم تدركه آثار الخلافات وفصائلها فكان بذلك «شاعر الثورة الفلسطينية» و«شاعر المخيمات» و«صوت الثورة» و«مطرب الثورة الأول» والعديد من الألقاب الأخرى التي من شأنها أن ترمز على الإجماع الذي حاز عليه أبو عرب من قبل كل الفلسطينيين..
في حمص انتهت رحلته عن 83 عاماً، بعد أن دار حاملاً القضية في لبنان وتونس والأردن وسورية، ليرتسم عناء الرحيل والاغتراب في أغانيه شوقاً بالعودة إلى الوطن الأم فلسطين «مجروح يا يما ومشتاق يا يابا.... احكيلي ع بلادي ب موال عتابا»، عناء لم يشأ أن ينتهي قبل أن يحقق أبو عرب بعضاً من حلمه الكبير في العودة  إلى فلسطين.. فوطئت قدماه أرض رام الله للمرة الأولى في عام 2011 منذ أجبر على ترك قريته «الشجرة» التي اجتاحها العدو الصهيوني وطرد أهلها في العام 1948 حينها صدق حدس أبو عرب لما تنبأ: «كنت متيقناً من العودة، كنت أحلم بذلك، لطالما حدّثت نفسي بأنني قد أرحل من دون زيارة فلسطين، وأن أحد أبنائي أو أحفادي سيزورها عني، لكنني أزورها».
بعكس ماعانته مسيرة حياة شاعر الثورة في اغترابه عن أرضه ووطنه، فقد بقي فنّه - الذي لم يعرف الاغتراب-  ملتحماً بقضية أبناء بلده وأمته. هو ابن الشتات لذلك غنّى العودة «يا طير خذني عالوطن»، هو ضحية الاحتلال فغنّى المقاومة «من سجن عكا»، هو ابن قريته البسيطة فلم ينس إرثه من «العتابا والميجانا»، هو ابن المخيمات وفقرها، فأحبه الفقراء والبسطاء وما أدل على ذلك سوى تساؤله الشهير في إحدى مقابلاته:
«ماذا تتأمل من شخص عاش طفولته في ظل ثورة 1936، وأول شبابه في ظل نكبة 1948، وجرب اللجوء وعيشة الخيم وبيوت التنك..؟».
أبو عرب هو لقب لفنان اسمه الحقيقي إبراهيم محمد صالح، ولهذا اللقب حكاية تتعلق بحماسته للقومية العربية، وتيار جمال عبد الناصر الذي التقاه مرة واحدة وصافحه بحرارة، علماً أنه كان يقود التظاهرات المؤيدة للقومية والوحدة العربية في سورية، لقدرته على الارتجال ولفترات طويلة، وصوته الخطابي المميز. لُقّب بداية الأمر بـ«أحمد سعيد سورية»، ثم بـ«أبو العروبة»، ومن ثم «أبو عرب».
ربما لم يستطع جسد أبو عرب احتمال لجوءٍ آخر فكان نزوحه الأخير.. تاركاً لنا صوته أيقونةً ترثيها حناجر المهجرين بوجدان حي لا يقل عن رثاء الراحل لابنه الذي استشهد محاصراً قرب قلعة الشقيف أثناء اجتياح لبنان من العدو الصهيوني قائلاً:« يا شهيد الوطن حيك.. ما نسيت تراب حيك.. ما انتظرت وداع بيك.. عند ما نادى المنادي .. ألف مرحب بالشهادة».