أنسي الحاج.. قصيدة الوداع
توفي في بيروت الشاعر اللبناني أنسي الحاج، أحد رواد قصيدة النثر، يوم الثلاثاء بعد إصابته بمرض السرطان، عن 77 عاماً
أضاء الحاج بكلماته وإضافاته ذاكرة الشعر ووجدان أجيال ستذكره وتذكر كلماته مع كبار الشعراء، عُرف بحضوره المتوقّد، ونكتته الحاضرة أبداً، وحسّه الساخر، وتلك النظرة النقديّة التي يمتاز بها الحرفيون القدامى والمعلّمون في مهنة الصحافة.
وكان ألمه كبيراً مما يجري في البلاد وحولها، وكان قاسياً في سخريته من كل شيء، من الأحزاب والأديان والسلطات والمعارضات والاحتلالات، من قهر العالم الغني ومن تخلف الفقراء. وكان كثير الاهتمام بعائلته الصغيرة.
كانت المرأة هي المكان الأكثر دفئاً عنده، تقتحم شعره في أي وقت. كان يمتلك قدرة هائلة على جذب النساء صوبه، صوب ما يقوله، ويكتبه، كان يحث المرأة، والنساء عموماً على التمرد، والخروج إلى الفضاءات الحرة وتنشق الحرية في كل شيء. الاهتمام بأجسادهن، وبأعمالهن، وبثقافتهن، وعلى التدرب يوميا لقهر أي سلطة تضطهدهن.
كان مع التقدّم، مع كسر القوالب، وتجاوز الحدود، وإعادة اختراع اللغة كل صباح ومساء. أنسي الحاج، الاسم الكبير لرجل عاش بساطة الحياة حتى لحظاته الأخيرة. رغب برحيل هادئ، صامت، بلا ضجيج كما كانت أيامه. من كان يصدق أنه، يكتب قبل موته، مقدمة سيرددها الجميع في رثائه!
«لن أكون بينكم
لأن ريشةً من عصفور في اللطيف الربيع
ستكلّل رأسي
وشجر البرد سيكويني
وامرأة باقية بعيداً ستبكيني
وبكاؤها كحياتي جميل»
نشر الراحل، وهو على مقاعد الدراسة، بعض المقالات والأبحاث والقصص القصيرة في بعض المجلاّت الأدبية في منتصف الخمسينيات، واهتم بصفة خاصة بالموسيقا الكلاسيكية. ثم ساهم في عام 1957، مع الشاعرين يوسف الخال، وأدونيس، في تأسيس مجلة «شعر»، ويعد أحد رواد قصيدة النثر في الشعر العربي المعاصر. عمل في مجال الصحافة، في صحيفتي الحياة، والنهار. وكان حتى وفاته يعمل في صحيفة الأخبار اللبنانية مستشاراً لمجلس التحرير.
ترك عدة دواوين شعرية منها «لن، الرأس المقطوعة، ماضي الأيام الآتية، ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة؟، الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع، الوليمة».
شارك الحاج في نقل بعض أعمال الأدباء الغربيين إلى العربية، أو اقتباسها، ومن بين تلك الأعمال مسرحيات لشكسبير، ويونيسكو، وكامو، وبريخت وغيرهم.
وقد عرضت بعض تلك المسرحيات في المهرجانات اللبنانية، أما مشاركته في الحركات الفنية فقد تجلت بعلاقته الخاصة بالرحابنة، وكان معجباً كبيراً بصوت فيروز التي أطلق عليها لقب «شاعرة الصوت». وترجم الكثير من قصائده إلى لغات مختلفة.
يبهرنا بنصه ويبشر بالأزمنة الآتية فـ«الشاعر الحقيقي، اليوم، لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون محافظاً». و «إن معارضة التقدم عند المحافظين ردة فعل المطمئن إلى الشيء الجاهز، والمرتعب من الشيء المجهول المصير. التقدم، لمن ليس مؤمناً بما يفعل، مجازفة خرقاء، وهكذا يبدو للمقلدين والراكدين. وبين المجازفة والمحافظة لا يترددون، فيحتمون بالماضي ويسحبون جميع الأسلحة من التعصب إلى الهزء إلى صليبية المنطق التاريخي، بل إلى صليبية منطق تاريخي زوروه بمقتضى سفينتهم».