فلسفة سينما الفقراء في بلغاريا
قفزت السينما البلغارية في القرن العشرين إلى الصفوف الأولى، وتفوقت على كثير من الأفلام السينمائية الغربية ذات الطابع السياسي، لتتحول السينما البولونية والهنغارية التشيكوسلوفاكية إلى سينما الفقراء والكادحين آنذاك.
ستايكوف..
اشتهرت أفلام المخرج لودميل ستايكوف في بلغاريا. إذ كانت السينما البلغارية في النصف الثاني من القرن العشرين تضم ثلاث وحدات للإبداع السينمائي وإنتاج الأفلام، منها مجموعة ملادوست والذي كان ستايكوف مسؤولاً عنها.
تخرج ستايكوف من المعهد العالي للفن الدرامي في صوفيا شعبة التمثيل والإخراج وعمل ممثلاً ومخرجاً في المسرح، ومخرجاً في التلفزيون البلغاري، ومن أعماله الهامة فيلما «تعديل قانون أمن الدولة» و«نجوم في الشعر ودموع في العيون» عام 1976.
واغنشتاين..
ويعتبر أنجيل واغنشتاين أحد أهم كتاب السيناريو البلغار، كتب أكثر من خمسة وعشرين سيناريو للأفلام الروائية والصور المتحركة والأفلام القصيرة وأفلام التلفزيون، وأخرج كثيرون أفلامه في بلغاريا وألمانيا الديمقراطية ومن أفلامه الرئيسية نذكر (فيلم «نجوم» عام 1959 من إخراج الألماني كونراد وولف، وفيلم «غويا» عام 1971- من إخراج البلغاري زخاري غدانوف فيلم «إنذار» عام 1951 وفيلم «أبطال سبتمبر» عام 1954). إضافة لفيلمه الوثائقي الشهير عن المقاومة الفييتنامية، وغيرها من الأفلام والأعمال المشهورة في أوروبا الشرقية.
«تعديل قانون أمن الدولة»
تدور أحداث فيلم «تعديل قانون أمن الدولة» في الفترة السوداء التي تلت الانقلاب الرجعي الفاشي في حزيران عام 1923 وبالتحديد الفترة التي عقبت انقضاض الحكومة على الانتفاضة المعادية للفاشية خلال أيلول 1923 وسحقها بعنف دموي.
يصور ستايكوف بطريقة واقعية مباشرة وملهمة للخيال الاعتقالات التعسفية وأساليب الإرهاب الفاشي لأجهزة الأمن التي أخذت تغتال زعماء المعارضة الشعبية من الحزب الشيوعي والحزب الزراعي واحداً تلو الآخر، وتظهر ردود الأفعال العنيفة والفوضوية لبعض فصائل المعارضة، ومنها قيام بعض اليساريين باللجوء إلى طريق الإرهاب بسبب اليأس وانعدام القوة فتتذرع الفاشية في بطشها وإرهابها الدموي بإعمال هؤلاء.
يعود الفيلم إلى أحداث سابقة إبان الحرب العالمية الأولى، حيث قام الملك بحشر بلغاريا في الحرب، وذاق الشعب خلالها مختلف الويلات والمآسي مما حدا بالجنود البلغار إلى الانتفاضة وقلب الملكية وإعلان الجمهورية المعروفة بثورة 1918 ومجيء حكومة برجوازية إلى الحكم.
ويذكر الفيلم الأزمة السياسية الكبيرة في البلاد نتيجة الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية السيئة، وحدوث موجة كبيرة من الإضرابات العمالية دشنها الإضراب الكبير لعمال النقل بقيادة الشيوعيين عام 1918.
وتحت ضغط الجماهير اضطرت البرجوازية إلى إقالة الحكومة وإجراء انتخابات حرة عام 1919 لأول مرة، شاركت فيها مختلف القوى السياسية، وجاء الحزب الزراعي بالمرتبة الأولى تلاه الحزب الشيوعي، ثم بقية الأحزاب والقوى الأخرى فقامت حكومة الاتحاد الزراعي الشعبي البلغاري لغاية عام 1923. عملت إصلاحات زراعية صبت في مصلحة البرجوازية الصغيرة وأسست الجبهة الموحدة للعمال والفلاحين.
يحمل الفيلم أفكاراً فلسفية عميقة وراهنة، حتى بالنسبة إلى ثوريي القرن الواحد والعشرين، ومنها نقد قيام اليسار الفوضوي والمتطرف بسلوك طريق العنف والإرهاب والذي كان حجة لقيام حكم فاشي إرهابي دموي، رداً على التطرف وقيام حزب ثوري جديد هو الحزب الشيوعي وشنه النضال ضد الطرفين.
كما يصور قيام الثوريين، وهم الجناح اليساري في الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي البلغاري، بتغيير اسم حزبهم إلى «الحزب الشيوعي» لينسلخوا عن الانتهازيين وأعمالهم، ويتابعوا النضال من أجل بلادهم عشية الانتفاضة البرجوازية الصغيرة،
السينما الاشتراكية..
شنت مختلف المؤسسات الثقافية والصحفية والإيديولوجية في أوروبا الغربية وأمريكا هجومها على السينما الاشتراكية، رغم شهرة الأخيرة بقصد تشويه السينما التي تعبر عن الذات الوطنية للشعوب وتسويق سينما استهلاكية تافهة لهم.
وأكد المخرج الياباني الكبير أكيرا كيرو ساوا أثناء تقييمه فيلم المحبة لستايكوف: «فيلم المحبة هو تفنيد رائع لكل الادعاءات المغرضة الزاعمة أن السينما الاشتراكية خالية من الصراع والمشاكل والمواجهات، وأن أشخاصها تتمثل في نموذج واحد، إني اعتبر فيلم المحبة وثيقة فنية ناجحة عن التحولات الاجتماعية والفكرية الكبيرة التي تمت في العالم الروحي لبلغاريا».