الشاعر حمد مزهر: حمدان.. قصيدة وديوان!

الشاعر حمد مزهر: حمدان.. قصيدة وديوان!

حمدان اسمٌ استخدم رمزاً للفلاح السوري، فمنذ أكثر من 35 عاماً أيام الشباب عندما كنا نلتهم الثقافة الوطنية والعالمية وكل ما يقع بأيدينا من أدواتها بعكس السنوات الماضية التي سادت فيها الثقافة الأحادية  والثقافة الاستهلاكية.. في تلك الأيام قرأت ديواناً (حمدان) للشاعر الفراتي مروان خاطر يصور فيه الفلاح ومعاناته في ريف دير الزور والذي يغتاله الفقر والجهل والمرض.. واليوم في ديوان(لي.. كما هو لك) لحمد مزهر قصيدة بعنوان حمدان الفلاح في الريف الجنوبي لسورية في جبل العرب والذي تقتله الكلمات..

أن تقرأ قصةً أو رواية سهلٌ عليك إدراك الأفكار والرؤى المبثوثة فيها بسبب قلة الصور البيانية والسرد والوصف الذي يغلب على لغتهما ولا تحتاج إلى جهدٍ فكري لتجميعها ومعرفة مغزاها..

أمّا أن تقرأ قصيدةً أو ديواناً فتحتاج إلى جهدٍ فكريٍ كبير في ذلك بسبب التكثيف الكبير في اللغة والصور البيانية والرمزية أحياناً.. هذا الجهد لتفكيك اللغة والصور لاكتشاف كَنَه الأفكار والرؤى..

ديوان لي.. كما هو لك..

العنوان على بساطته تكثيفٌ لأفكارٍ عديدة فالأقدمية الزمنية للآخر (لك) وإن كانت الأقدمية المكانية للأنا (لي) بدلالة كما وهذا تعبير عن التشاركية، وهذه التشاركية تشمل كل شيء في الحياة لأنها جاءت مطلقة..

هذا في العنوان فكيف بالقصائد حيث يعتبر كل مقطع قصيدة كونها من الشعر الحديث وهنا يصعب تناول الديوان ككل بما يحويه من أفكار وصور ولغة.. لكن يمكن الإشارة إلى شيءٍ منها كأنموذج..

في افتتاحية الديوان إهداء إلى سعاد.. هي المرأة إلهة الخصب والحياة، وقصيدة البداية (لقاء) مع الآخرين.. هو كشميم القرنفل وكالسنديان الشامخ وكالعوسج الصلب «إنه زمن العوسج.. والعيون المطفأة» وكالنسور المحلقة والغزلان الشاردة من البيئة الحيوانية.. وهو يحاول أنسنة هذه البيئة والحوار معها باستخدام الحواس البشرية..

قصيدة شذرات إدانة غير مباشرة للاستغلال وقسوة الحياة بقوله: «موت الفلاح كلمات» بينما ثبات الحب فيها: «الحب لمرةٍ واحدة»، لكن تبقى الأحلام مشروعة: «الأحلام الجميلة بعيدة»، رغم الفجوة بين الواقع والأحلام: «فهذا الطفل من عالم آخر»..

على الصفحة الأخيرة للغلاف إدانة لتحطيم الطبيعة ومعدنتها: «أيقظني على النافذة.. نفرٌ خفيفٌ.. قرعٌ.. من ياسمينة الجيران.. يداعب قلبي.. بلى.. بلى.. ثمّة طيفٌ أخضر.. في هذا الكون.. غير المعدني الذي يملؤنا»..

فنياً..

اعتمد الشاعر لغة بسيطة في التعبير تجمع بين عمق الفكرة وسهولة إدراكها وأسلوباً اعتمد فيه الجمل الاسمية غالباً دلالة على وضوح الفكرة وثباتها واستخدم موسيقا وإيقاعاتٍ هادئة وكل ذلك بما يتناسب مع السن والتجربة  بما لا يتناقض مع اندفاعات الشباب وحيويتهم..

الديوان شمل 31 قصيدةً موزعة على 200 صفحة من القطع الصغير وصورة الغلاف جاءت معبرة عن المحتوى وهي عبارة عن أوراق متراكمة  ودفتر وظرف من تصميم الفنانة ريم حمزة منذر وهو من إصدار دار الطليعة الجديدة عام 2010.