الإعلام بين العلم والفن..
أكرم شاهين أكرم شاهين

الإعلام بين العلم والفن..

يعتبر الإعلام أحد أهم الأسلحة والتي لا يمكن لأحد اليوم أن يعيش بمعزل عن الإثارة التي تصنعها أو عدم التعاطي معها، وهذا سبب الاهتمام الواسع بمواضيع الإعلام المتنوعة والتي يمكن أن تكون على ثلاثة مستويات. 

في المستوى الأول تكمن الرسالة أو الغاية، فلكل وسيلة إعلامية رسالة، هدف، مقولة، غاية، وفي كثير من الأحيان نعرف الرسالة أو الهدف، من خلال معرفتنا بمن يقف خلف هذه الرسالة أو من يمولها، فالحكومات لها وسائل إعلامها، وغالباً ما تكون واضحة التوجه، ولا تحتاج إلى كثير من الخبرة، لمعرفتها، إذ أنها تخدم توجهات الحكومة بشكل مباشر وواضح، وفظ أحياناً. 

ولكن ماذا لو كان هذا الإعلام غير واضح الخلفية؟ كبعض المنابر الإعلامية العالمية مثلاً ، أو المحطات التلفزيونية ؟ أو حتى بعض المواقع إلكترونية؟ ربما سيضطرنا ذلك للانتقال إلى المستوى الثاني من أجل مقاربة الموضوع وفهمه أكثر وهو الخطاب أو الطريقة، فكلما كبر حجم المهمة الملقاة على عاتق الوسيلة الإعلامية، تطلب ذلك خطاباً إعلامياً وحديثاً  ومتميزاً وفنياً،  بل وجمالياً أيضاً.

ولكن كيف تقوم وسائل الإعلام العالمية «مثل تلك المختصة بشرقنا العظيم»  بتفكيك الخطاب المعرفي والثقافي والسياسي والحضاري للبنية الاجتماعية «الشرق» وتقوم بمواكبة ومراكمة مسلمات وحقائق، بل وأحداث، من أجل اكتساب حيز في وعي المتلقي، وربما تقوم بتعبئة فراغ ما في وعيه، وهو ليس فارغاً بطبيعة الحال وإنما لدية حوامل معرفية مسبقة،  ولكنها تقوم بإعادة ترتيب مدروسة، لهذه الحوامل،  وتبدأ بالتأثير التراكمي والمباشر، لتصل إلى صناعة رأي عام، مناسب لتوجهاتها. مستخدمة جميع المنجزات التقنية والتكنولوجية والثقافية والفنية، كوسائل مساعدة لتحقيق الغاية العظمى لها، وهي السيطرة على هذا المجتمع، من خلال صناعة رأي عام والتحكم به لاحقاً. 

وقد تستخدم رموزاً أدبية هامة أو رموزاً فنية أو تاريخية، أو حتى سياسية، من أجل تمرير أفكار معينة وتأثير خاصة على الشباب. وهناك أمثلة لا تحصى في الأدب والرياضة والفن والسياسة. 

في المستوى الثالث للإعلام، يأتي دور المتلقي، حيث يكون لمستوى المتلقي المعرفي، القول الفصل، في تفعيل ونجاح دور الإعلام، أو حتى في إفراغ الإعلام من دوره الفاسد والضار. ولذلك تقوم وسائل الإعلام الكبرى كـ« CNN، BBC، الجزيرة، العربية، الغارديان، الإندبندنت، اللوموند، Googl،Facebook  الخ» بتوظيف خبراء إعلام وتواصل اجتماعي  وحتى باحثين تاريخيين ونفسيين، للنجاح في التأثير على المجتمع أو الفئة المستهدفة، ولذلك أصبح الإعلام في عصرنا فناً وعلماً.

قد يبدو الموضوع صعباً بعض الشيء فهو يتطلب، إضافة إلى السوية المعرفية التي هي شرط لا غنى عنه، دراية بأساليب حديثة في الإعلام، كالصورة وطرق التلاعب فيها، أو الصوت والموسيقا أو الشكل الجميل الخ. وكلما كان المتلقي أرقى معرفياً ، استطاع اكتشاف التحجر أو المبالغة أو الكذب  أو عدم الوضوح وعدم الدقة أو عدم احترام عقل المتلقي. ولذلك لابد لمن يعمل بالإعلام أن يدرك الرسالة الواجب تأديتها ثم الأسلوب أو الطريقة، وهذا ما يسمى الحرفية والمهنية، ثم نوعية ومستوى ووعي الفئة أو المجتمع. فمثلاً قد لا يؤدي ألف بيان سياسي أو نشرة أخبار، الدور الذي يمكن أن يؤديه مشهد تمثيلي واحد، أو أغنية ما.