بالزاوية!: هل هو أدب قديم حقاً؟
كان «أرنست همنغواي» الكاتب الأمريكي التقدمي الشهير يحفز الكتاب الشباب والناشئين موصياً إياهم: «لا تتقاعسوا ولا تترددوا للحظة في الكتابة عن آلام الناس, إن آلام المجتمع هي في النهاية منجم الأدب الجيد.. آلام الجنون الشخصي وعوارض الانسحاب والهوس الفردي وكل أنواع الترهات هي ما سوف يجرونكم باستمرار إليه, لن يكون لآلامكم معنى ولن تصيروا كتاباً حقيقيين دون حكايا الناس».
إلى هذه الدرجة من الوضوح والبساطة المبدعة والمبدئية، كانت الرسالة واضحة ومسائل الأدب «الشائكة» محلولة عند صاحب «العجوز والبحر»، وعند جيل وأكثر من الأدباء «التقدميين»، ممن جمعوا في أعمالهم الأدبية الكبيرة بين مختلجاتهم مثلما هي «كمونولوج» وصراع داخلي لدى الأديب «الفرد», وبين آلام شعوبهم والأسئلة والتحديات التي تواجهها, هي نفسها تلك الحالة التي يوصفها الأديب السوري «حيدر حيدر» في مقالاته اللاذعة «أوراق المنفى », بأنها ذلك «الصهر, والدمج الحار المتقد للأفكار والمشاعر بين الأديب وبيئته», لدى حديثه عن أهمية أعمال «دستويفسكي» و«كازانتزاكس».
على أن دعوة أمثال هؤلاء الأدباء وأقرانهم إلى هذا الصهر والانشغال بالشأن الاجتماعي والسياسي، لم تعن يوماً الركون والاستسهال في نتاجاتهم, أو تقديم ما لا يرتقي بأهميته وتأثيره إلى مستوى الآلام والتحديات أو بما ينتقص من قيمة أدبهم حاضراً أو مستقبلاً, تحت ضغط «الشارع» وإلحاحه, كما لم تعن أيضاً «المباشرة» أو «التسطيح» في المواضيع الأدبية كما يروق لكثير من «الحداثويين» أن يصيحوا «على الطالع والنازل» معلنين: نهاية عصر أدب «المجتمع» وبدء عصر مختلف لأدب لا يحتاج إلى الناس ولا يحتاجونه!
لكن و بعيداً عن سجالات «الحداثة» العقيمة وعن التعصب الأعمى لمنتجات الأدب الاجتماعي أو التقدمي أو الملتزم.. «وكل هذه المصطلحات تحتاج إلى إعادة قراءة وضبط», تنطلق الأسئلة من الحاجة الموضوعية: هل أصبح هذا الأدب قديماً بالفعل؟ هل أشبع الفن أو الأدب «الآخر» حاجات الناس؟ وما الذي تغير بالضبط في الناس وفي حاجاتهم منذ وصية همنغواي؟