«سانتا كلوز» تحت دائرة الضوء
نشرت وكالة«فرانس برس» مؤخراً خبراً مفاده أن «الطلب تزايد على سانتا كلوز هذا العام» بعدما أحصى «اتحاد البريد العالمي» 8 ملايين رسالة وجهت إليه من الأطفال عبر العالم، فيما كان العدد 6 مليون رسالة عام 2007، وتقدمت «فرنسا» على «كندا» و«الولايات المتحدة » في عدد الرسائل
هذا وتذهب بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى الأقصى في «رأسملة» و «تسليع» الشخصية الأسطورية، لتخصص لها مواقع إلكترونية تتلقى رسائل الأطفال وتتولى مهمة إرسال الردود بالنيابة عنها، كما تقدم صوراً متخيلة «لقرية بابا نويل السرية»، وتتلو للطفل قصص «عيد الميلاد» بنسخة معدّة خصيصاً له بعد إدخال اسمه وبعض المعلومات الأولية الضرورية، لضمان إشعار الطفل «بتفرده»! دون أن ينسى الموقع بالطبع ربط المستخدم بأكبر المواقع بيع الهدايا عبر الإنترنت، المسؤولة عن تحويل الأحلام إلى حقيقة!
وفي سياق متصل، مستوحى من روح الأعياد، نشرت وكالة «رويترز» صورةً لرجلٍ مشرّد يدخّن سيجارة وهو يرتدي بدلة «سانتا» الحمراء، فيما تشير الوكالة إلى تزايد أعداد المشردين في أمريكا ليصلوا إلى « 600.000»، ليكون هناك طفل مشرد واحد من بين كل أربعة. أما في قناة «فوكس نيوز» الأمريكية، فأثارت ملاحظات إحدى مذيعات القناة «ميغان كيلي» موجةً كبيرةً من الجدل، حينما ناقشت مقالاً يقترح ضرورة تغير «الصورة التجارية» لسانتا كلوز بوصفه عجوزاً بديناً أبيضاً، إلا أن «كيلي» تعاملت بنوع من الاستهزاء الواضح إزاء المطالبة بإعادة النظر بالصورة التي تجسد فيها الشخصية الأسطورية. مشيرةً إلى أنه في الحقيقة شخصية بيضاء محددة العرق. وهكذا تحوّل وسائل الإعلام الأمريكية مرةً أخرى التناقضات الكبرى لتصبح صراعاً على لون البشرة كما لو أنه يهم حقاً لو كان«سانتا» أبيض أم أسود البشرة، طالما أنه سيظل غير قادرٍ على تحقيق الأمنيات والرغبات المتزايدة لأطفال العالم!
إذا ما حاول المرء البحث في دلالات الأخبار المتفرقة التي تختبىء خلف الجسد الضخم للشخصية الأسطورية المحببة، محاولاً تفسير هذا الازدياد الكبير في عدد الرسائل هذا العام-مع ربط ذلك بالمؤشرات الاقتصادية الخطيرة التي تدلل على وصول العديد من الفرنسيين إلى خط الفقر، وإزدياد عدد المشردين في أمريكا ومعدلات الانكماش الاقتصادي في بريطانيا- سيجد المرء نفسه أمام مشهدٍ عالميٍ قاتم يستحضر فيه «اللاوعي الجمعي» بصورةٍ مكثفة « سانتا كلوز»، عله يأتي طائراً في عربته محملاً بكافة الهدايا و«الحلول» للأزمات الاقتصادية الحادة.
لو استطاع«سانتا» تدبّر أمره في الوصول إلى بلادنا بطريقة ما، لن يستطيع التسلل إلى داخل البيوت عبر مدفأةٍ ويبقي حلّته نظيفة. ستلوثه الحرب برمادها ودموعها ودمائها. في سورية، ليس إغراقاً في«الدرامية» القول بأن الكثير من الأطفال لا يعلمون من هو « سانتا كلوز» هذا!، هم خسروا حتى ترف مناجاة شخصية خيالية تجعل قسوة الواقع أقل وطأة، بعضهم مشغولٌ اليوم في حمل الأسلحة، فيما تختفي الألعاب من قوائم الأمنيات لحساب «الدفء» و«الطعام» و«المأوى» و«إعادة الآباء للحياة».