صقر عليشي لـ«قاسيون» : «القصيدة فعل إنساني مستمر»

صقر عليشي لـ«قاسيون» : «القصيدة فعل إنساني مستمر»

• قلت يوماً أن صوت الشعر لا يمكن أن يخفت....؟

طبعاً صوت الشعر لا يمكن أن يخفت، وإلا لكان خفت من زمان بعيد، لن يخفت لأنه يشكل حاجة ضرورية للبشرية اختبرت على مدى أزمان وعقود، الإنسان مرتبط بوجود الشعر، يعيشان معاً، يأكلان معاً يغضبان ويفرحان سوية. وإن كان هناك رحيل فسوف يرحلان معاً، كان هذا قديماً، وهو كذلك في الحاضر ولن يكون غير ذلك في المستقبل.
• كيف ترى المشهد الشعري السوري في العقد الأخير بشكل عام؟
سورية كانت دائماً منبعاً ثراً للشعر، ترفده بأهم الأصوات وأكثرها تأثيراً من بدوي الجبل إلى نزار قباني... إلى أدونيس وغيرهم، ولم يمر عليها جيل من الشعر لم يكن لها بصمتها الواضحة فيه، في المشهد العربي عموماً. وهي كذلك حالياً.
أشعر أن جيلنا وما تلاه لاقى بعض الظلم بسبب الفساد الثقافي الذي ضرب أطنابه لدينا «مؤسسة اتحاد الكتاب نموذجاً»، وما لاشك فيه أنه سيأتي الإنصاف لاحقاً ولن تخفى الشمس بغربال. ربما كانت الظاهرة الصحية الوحيدة في هذا المجال هي وزارة الثقافة أيام الدكتورة نجاح العطار، بما كان لها من رؤية ورؤيا، وسعة أفق ومعرفة، ومالت إلى التدهور بعدها للأسف الشديد.
• وهل للشعر وظيفة بالمعنى الاجتماعي؟
أخذت وظيفة الشعر الكثير من الحبر والتنظير، ويمكن الركون إلى خلاصة مفادها –حسب رأيي- وهي أن الشعر متعدد الوظائف «وظيفة جمالية... وظيفة اجتماعية... سياسية، تحريضية... إلى غير ذلك»، إنما تقف على رأس هذه الوظائف جميعها الوظيفة الجمالية، بما تنشره من إدهاش ومتعة وتأثير محبب على النفس، وإذا خفتت وناست هذه الوظيفة خفتت وناست معها الوظائف الأخرى، وكم كان الشعر الرديء عبئاً على القضايا الكبرى التي تبناها بحيث أدى ذلك إلى دور عكسي منفر.
• يدور الحديث الآن حول قصيدة النثر والقصيدة الموزونة، ما هي وجهة نظرك في هذا الحوار الدائر؟
لي في هذا الموضوع رأي مختلف، إذ أرى أن لكل شاعر أسلوباً يتمكن منه ويرتاح إليه، وهذا يرجع إلى تركيبة فيزيولوجية معينة، وأحاسيس خاصة، وإلى ثقافة معينة. كتب الماغوط قصيدة النثر وحلق فيها، وهو لم يكن قادراً على كتابة سطر موزون ولم يكن مطلوباً منه ذلك. نزار قباني لم يكتب في قصيدة النثر شيئاً مهماً على الإطلاق، أما درويش الذي أوصل قصيدة التفعيلة إلى الذرى، لم ينجح في كتابة قصيدة النثر، وانسحب منها بعد تجربته في ديوان «المزامير» الذي حذفه فيما بعد من أعماله.
لا أرى في قصيدة النثر بديلاً للأشكال الأخرى، بل هي باب آخر جديد، وهو باب أعطى ما هو جميل جداً وأنا أعول عليها كثيراً.
• صقر عليشي الذي يستخدم المفردات البسيطة للتعبير عن مضمون عميق... كيف يمكن للغة أن تكون أداة من أدوات التغيير في زمن التحولات الكبرى؟
في الأساطير القديمة ورد أن الله خلق الكون من حرفين «كن»... قال للوجود: كن فكان. المفردات تأخذ أهميتها من النص الذي تشكله حين يصبح معادلاً جمالياً... فنياً... للواقع، وقد يكون واقعياً أكثر من الواقع نفسه، له ظلاله وألوانه، ويعيش ويحيا لاعباً دوره، مؤثراً وفاعلاً في المجريات الحياتية، في زمن التحولات الكبرى والصغرى. القصيدة فعل إنساني مستمر.
«سنكتب شعراً / لكي يتمرأى القمرْ/ سنكتب شعراً/ لكي لا يضيقَ على الطيرِ أُفْقٌ/ لكي تستمد السمواتُ زرقتها من جمال الصورْ/ سنكتب شعراً/ ليرضى النزول على الأرض هذا المطرْ».
• الأزمة السورية تركت شرخاً كبيراً في المجتمع، وهنا أريد أن أسألك عن موقفك منها، ورأيك في انقسام المثقفين والمبدعين حولها؟
منذ البداية لم أرتح لهذا الحراك الذي راح يخرج من الجوامع، وهذا كان يعطيه هوية معينة، ولم انتظر طويلاً لأحدد موقفي منه، ومع الأسف لم يخطئ ظني به، وهو يقود البلد إلى الدمار والتفتت، وقد انقسم المثقفون حوله، وتعددت مواقفهم ما بين مؤيد ومعارض ومتفرج، وقد أفهم وأبرر كل شيء، لكن الذي لا أستطيع فهمه أو تبريره هو وقوف من كانوا في  صف العلمانيين واليساريين مع أشد الحركات ظلامية في التاريخ!! وكيف أنهم لم يراجعوا موقفهم هذا وقد تبين الصبح لذي عينين!! يبدو أن العزة في الإثم قد أخذتهم بعيداً، حتى أن بعضهم أخذ يبدع في التنظير للطائفية؟!
لقد أمضيت جُل عمري معارضاً ولن أكون غير ذلك، لكن المعارضة ليست للمعارضة فقط، المعارضة تكون من أجل الأفضل وليست لجلب الأسوأ وهذا من بدهيات الأمور.
هنا تحضرني بقوة مقولة لينين: «إن المثقفين هم أقدر الناس على الخيانة، لأنهم أقدر الناس على التبرير».

صدر للشاعر :

- قصائد مشرفة على السهل
- الأسرار 1989
- قليل من الوجد 2000
- أعالي الحنين 2003
- عناقيد الحكمة 2007
- الغزال 2009
- لأعمال الكاملة 2009
- معنى على التل (قيد الطباعة).