عندما ينطق الحجر..
على هامش فعالية «سورية ستشرق من جديد» التي أقامتها وزارة السياحة التقت «قاسيون» ببعض المشاركين الذين أكدوا أن مشاركتهم بالفعالية بحثاً عن نافذة يبثون من خلالها همومهم ورغبتهم العميقة في الدفاع عن التراث كحاجة حقيقية وملحة بعيداً عن الاستعراض أو الصراخ الإعلامي..
إبراهيم: يضع السوريون بصمتهم على ما يتعلمونه من الغير
ورود إبراهيم مديرة قسم الكلاسيك في المتحف الوطني قالت: تقوم «سورية الأم والأبناء» بمشروعها لتأهيل أو تمكين السيدات السوريات المعيلات، والغاية منه إعطاء النساء مهنة وإحياء حرفة قديمة تخص التراث، لتحافظ عليه وتحييه من جديد لأنه أصبح مصدر عيشها، والاهتمام بتلك الأشياء التي تحب السيدات تعلمها، حيث نأتي بخبراء مختصين بهذه المهن ليعلموا السيدات وقد بدأنا بمهن شبه مندثرة مثل العجمي والذي يعتقد من اسمه أنه يخص فقط بلاد فارس وتركيا، بينما الحقيقة أن الدمشقيين طوروا هذه المهنة، عندما ابتكروا عجينة خاصة به، ولونوا رسوماتها الهندسية والنباتية الجميلة .. التي نراها في أسقف بيوت دمشق القديمة، بينما كانت في بلاد فارس وتركية مجرد رسومات نباتية وزخرفية على الحرير، فالسوريون يضعون دائماً بصمتهم على ما يتعلمونه من الغير.
ولدينا رؤية تقوم على إعادة الانتماء لتراثنا وهويتنا الوطنية ورسالتنا هي تمكين الجسور بين «الأبناء وسورية الأم» إذ توجد هوة تتمثل بفقد الانتماء بين الوطن وأبنائه، لأسباب باتت معروفة. عندما لا يشعر الإنسان بالانتماء، يشعر بغربة في بلده. وهدفنا دعم المجتمع، فكرياً وثقافياً اجتماعياً وصحياً عندما نعطي مهنة للإنسان، تتعلق بتراثه أكثر عندما تكون مصدر عيشه. وقد بدأنا المشروع في دمشق القديمة بحي العمارة.
وأكملت إبراهيم: عندما نذهب إلى دمشق القديمة ومطاعمها طلباً للراحة والترفيه، يقدم المطعم مكاناً جميلاً لكنه لا يقدم شيئاً عن تاريخ المكان، وحتى مديرية الآثار تتغنى بالتراث لكنها لا تشارك الناس إياه، وهي مسؤولية وزارة الثقافة فعندما يحس الإنسان أن هذا مكانه سوف يحميه، ومثال ذلك، قيام الأهالي في تدمر ببناء خيم معتمدين على الحس الإبداعي الشعبي لاستقطاب السياح ونجحوا بذلك أكثر من الفنادق التي بنتها وزارة الثقافة والسياحة مع إحياء التراث اللامادي مثل الرقصات الشعبية او الامثال الشعبية.
الآن، هناك ضرورة لتوعية الناس وتعريفهم بتراثهم وما يحدث له بشفافية، ويهدف الهجوم على التراث إلغاء الهوية السورية الخاصة بفترات تاريخية معينة، وهذا ما حدث في حلب والرقة والمعرة وعدة مناطق أخرى. وقد يتساءل البعض هل يمكن الدفاع عن التراث خلال الحرب؟ رغم صعوبة الوضع بسبب الدمار، لكن المطلوب فقط ممن يستطيع التصوير، فالصورة وثيقة عالمية وهي قادرة على إرجاع المكان مثل ما كان سابقاً، تماماً مثل حكايا جداتنا فوصف الماضي يؤكد ما وجد بهذا المكان وتظل ذاكرة الإنسان حية، وهو ما يسمى التراث اللامادي.
لقد عبر الفكر الإنساني عن نفسه عندما صنع أدواته للعيش منذ العصور الحجرية كالسكين والمقاشط والمنجل، وتؤكد الأبحاث أن البداية كانت مع الانسان السوري حيث أبدع أدواته للصيد والطعام ولاحقاً للزراعة والصناعة من الطبيعة. ونحن نطلب دعم المشاريع الصغيرة وتوجيهها للسوق الخارجية خاصة مع الدول الصديقة روسيا وإيران، وهي تلقى طلباً متزايداً.
إلياس: الدولة داعم أساسي
أكد الفنان حنا إلياس على ضرورة التكامل بين الأفراد ليتمكنوا من الإبداع، والعمل لا ينجح إذا لم يكن جماعياً، والدولة هي الداعم الأساسي والمفترض أن تقدم خططاً تشرف عليها وتتبناها.
الرهبان: الخط العربي.. ميزة مطلقة
كما أشار الخطاط عاصم الرهبان إلى افتقار الفنون الجميلة لعنصر الخط العربي كاختصاص، فلا يوجد شهادة او ليسانس في الخط العربي للأسف لأنه لا يوجد كلية تدرس هذا الفن، وهناك سوريون كثر يدرّسون الخط العربي بجامعات في دول أخرى، وهم متميزون وأصحاب كفاءات شاركوا بمسابقات على مستوى العالم لدول مثل منظمة المؤتمر الإسلامي التي تعتبر نفسها محجاً للخطاطين بالعالم كله. وحصدوا الجوائز الأولى كالأستاذ عدنان الشيخ عثمان ومحمد فاروق الحداد وأحمد أمين شمطا ومأمون يغمور وآخرون كثر
ومقر هذه المسابقات باسطنبول. ويمنح مركز الأبحاث والفنون والثقافة الاسلامية باسطنبول شهادات للفائزين، حتى لو لم يكن لديه شهادة عالية في بلده، مثل الأستاذ محمد فاروق الحداد خريج معهد صحي ولكنه يمتلك كفاءة هزت عروش كثير من الخطاطين بالعالم الإسلامي، يدرس في متحف الشارقة للفنون، والاستاذ عدنان الشيخ عثمان مثّل سورية بمهرجانات كثيرة ولديه 13 جائزة أولى على مستوى العالم، ولم يوظف في بلده رغم حصوله على ليسانس لغة عربية. ويعتبر البعض أن «الخط العربي.. شي معت.. مين يدور عليه اليوم بوجود الكومبيوتر» مع أنه فن مهم تطور في مرحلة الإسلام وهو ميزة مطلقة لبلادنا.
تحول الخط العربي إلى حالة فنية في بلاد الرافدين خلال العصر العباسي، تغير الواقع بعد انتقال الخلافة من بغداد إلى اسطنبول أيام الحكم العثماني الذين استفادوا منه خلال فترة الركود التي عاشتها بلادنا، وجرت محاولات لتدمير الثقافة والهوية العربية عندما أخذ العثمانيون الخط العربي مع أمهر الصناع إلى تركيا، وقاموا بتطويره ونسبوه لأنفسهم مع الكثير من الصناعات. ولا ننكر ظهور حالات هامة من الخطاطين العثمانيين. ولكن تبقى الحالات الموجودة في الداخل أقوى بكثير لأنها الأصل، المشكلة أننا لا نستفيد منها، فمازالت تركية لحد هذا اليوم ترعى هذا الموضوع بالتعاون مع دول الخليج..! عن طريق تنظيمهم للمسابقات كل أربع سنوات وتتبنى الجوائز في كل عام إحدى دول الخليج.
أما عندنا في سورية فنسمع بالمسابقات بعد انتهائها بسبب المحسوبيات والواسطات، إذ يتصل الموظفون بأصدقائهم ومن يهمهم فقط .. وحتى المقتنيات تشترى بتوصية وتوضع في مستودعات وزارة الثقافة لذلك لا يرغب الكثيرون ببيعها لهذه المؤسسة ويحز في