إشعال (الهولوكوست) كلما خبا نارها
ربما تعثر العديد من المتابعين لوسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية الإخبارية الأسبوع الماضي بذكرٍ لـ(محرقة الهولوكوست) هنا أو هناك. كان أبرزها الضجة التي أثارتها تصريحات التي أدلى بها الرئيس الإيراني حسن روحاني في مقابلة عبر (سي أن أن) وأتى على ذكر المحرقة باعتبارها إحدى الجرائم ضد الإنسانية
فيما شنت وسائل الإعلام الإيرانية ووكالة أنباء فارس حملة ضد (سي أن أن) باعتبارها حرفت كلام روحاني، وتلاعبت في الترجمة من الفارسية إلى الإنكليزية. في السياق ذاته قد يجد المتابع لموقع (فرانس24) الإلكتروني تقريراً (مثيراً) عن مواطنٍ مصري يدرج اسمه في (قائمة شرفاء الأمم) من قبل القائمين على النصب التذكاري (ياد فاشيم) المتخصص بدراسة تاريخ المحرقة، ويشرح متن التقرير أن المواطن المصري كان طبيباً في برلين وتمت (تصفيته) لأنه ساعد عائلةً يهودية كي تفلت من الموت، ليقدم الموقع بعد ذلك المزيد من (الروابط ذات الصلة) تذكّر بتاريخ إحياء ذكرى المحرقة أو تحكي قصصاً مطعّمة (بالأسى والألم) عن إمرأة يهودية، أسلمت واعترفت لأحفادها وأبنائها بعد 30 عاماً بأنها نجت من المحرقة، وأنها عاشت حياتها مقسمة المشاعر بين (خوفها على أبنائها العرب وخشيتها على أبناء إخوتها اليهود)! وهي العبارة التي لخصت المقولة الضمنية للتقرير. وفي المقابل تكمل (الهولوكوست) مطاردة القراء في مقال (نستلة).. مقاطعات دولية.. علاقات إسرائيلية.. دولارات سورية -المنشور في العدد الماضي من جريدة قاسيون- علاقة شركة نستلة بإسرائيل باعتبارها شريكاً استراتيجياً، وكيف أن الشركة تبرعت بمبلغ 14،6 مليون دولار كتعويض لدولة الكيان عن (المحرقة النازية) مستحقة بعدها ما يعرف بجائزة جولي لدعمها الاقتصاد الاسرائيلي بعد عامٍ فقط من دخول الشركة للعمل في سورية.
وباستعراض تاريخ الاهتمام الإعلامي بالمحرقة يجد المتصفح لشبكة الإنترنت أن موسوعة (الوكيبيديا) أفردت مساحة شاسعة لكل من مصطلحي (الهولوكوست) و(إنكار الهولوكوست)، كما لو أن الإنكار هنا فعلٌ يستحق التوضيح بحد ذاته. فيما يصنف قانون (غيسو) في فرنسا إنكار المحرقة كجريمة، ليغدو هذا (الفعل الشائن) جريمة في كل من بولندا والنمسا وفرنسا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا وتشيكيا وسلوفاكيا قد يسجن مرتكبها من ثلاث إلى عشر سنوات!
قد يقف بعض المتابعين لوسائل الإعلام متسائلين عن السبب الذي يجعل قصة المحرقة وتبعاتها حاضرة بهذه الكثافة إيجاباً أو سلباً، والنقاشات دائرة حول حقيقتها التاريخية كما لو أنها حدثٌ في نشرة أخبار البارحة. فبالرغم من أن الرأي العام العربي ليس بحاجةٍ للمزيد من الدلائل والاثباتات حول هيمنة اللوبي الصهيوني وسطوته الاقتصادية والثقافية والإعلامية إلا أن هذا الجهد الحثيث لإشعال(المحرقة) من جديد كلما خبت نارها، يبقى أمراً خارج نطاق التصديق. يمكن النظر لكل تلك الأخبار والتقارير باعتبارها عينة عشوائية، تؤكد استمرار حاجة الكيان الصهيوني للمحرقة بوصفها الشمّاعة الأضخم التي يعلق عليها سياساته وانتهاكاته لحقوق الإنسان الفلسطيني، والقدم الكسيحة التي تغذي مشاعر الذنب الأوروبية وتفتح الجيوب للمزيد من الأموال والتبرعات.