بالزاوية : التعلم بالتجربة..
في الوقت الذي تتهاوى فيه وسائل إعلامية كانت حتى الأمس القريب ناجحة في قلب الأبيض إلى أسود والعكس بالعكس، مضللة شرائح واسعة من متابعيها ومعبئة إياهم في كل أشكال الخنادق الوهمية المتناحرة، بدأت حقيقة الأزمة السورية وتطوراتها تتجلى في وعي الجماهير بمستويات عالية.
وتظهر هذه الحقيقة في لحظة انتصار وكأنها قد فرضت نفسها بنفسها حيث تحتل يوماً بعد يوم موقعاً أعلى حتى عبر الإعلام الذي كان يسعى لوأدها خلال فترة الأزمة.
إن كان الهدف أو الوظيفة المباشرة لوسائل الإعلام الأمريكية الصهيونية وأدواتها هو حرف مسارات الحراك الشعبي الناشئ، على أساس أن هذا الحراك سيفضي في نهاية المطاف إلى إحداث تغييرات عميقة في نمط توزيع الثروة والسلطة التي تحميه، وهو ما تم العمل على تحقيقه وما نشهده فعلياً حتى اللحظة.
لكن تطورات الواقع تشير إلى بدء استعادة الحركة الشعبية لمسارها الطبيعي الصحيح، ويعني أوتوماتيكياً فشل هذا الهدف السياسي المباشر كتعبير في المضمون عن الأزمة التي يعانيها النظام الرأسمالي ككل. والواضح اليوم أن هذا الإعلام قد وصل إلى سقوفه العليا، فالإعلام في النهاية لا يصنع السياسة.
ويشهد هذا الإعلام أزمة عميقة بسبب فشله في التحكّم بهذه الحراكات وأخذ وعيها إلى أشكال الصدام والتفتيت المختلفة عبر أدوات متنوعة (ليس آخرها الثنائيات الوهمية)، ليبدأ بالتراجع والانحدار. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يستطيع المراقب العادي ملاحظة الفشل الذريع لمؤسسة إعلامية ضخمة كالجزيرة، وانحدار مستواها الفني والحرفي كنتيجة طبيعية لفقدانها لكل من المصداقية والتأثير الجماهيري الذي كانت تتمتع به سابقاً.
والحقيقة إن مسألة المصداقية الإعلامية ترتبط بشكل مباشر بالواقع الحقيقي على الأرض، فلا يمكن إخفاء الشمس بغربال كما يقال، وليس باستطاعة أي إعلام مهما امتلك من وسائل تكنولوجية متطورة أن يقوم منفرداً بتغيير الواقع دون أن يستعين بالأدوات السياسية التي تمتلك تأثيراً مباشراً على وعي الشعوب، حيث أظهرت التجربة بأن الإعلام ينجح في تحقيق مشروعه عندما يرافقه هذا النوع من الأدوات.