واصلْ الابتسام كما تفعل دائماً..!

واصلْ الابتسام كما تفعل دائماً..!

ترقب.. ترقب.. هو كل مانعيشه خلال هذه الأيام التي ترسم مصيرنا كأفراد وكمجتمع، فالكل في انتظار قرار «القادة» والمساومات المستمرة،  نستطيع الشجب والرد والسخط عبر وسائل التواصل، وربما أكثر من ذلك،

نصرخ في الشوارع.. نمارس طقوس الوداع الخاصة أو نقف دروعاً بشرية على سفوح قاسيون... وقد نصنع من هذه المواد السياسية الدسمة أداة للترفيه والسخرية على صفحات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى ظاهرة مع بداية الحديث عن العدوان الأميركي على سورية، وتخبط القرار الأميركي  في زمن ضياع الأحادية القطبية من بين أيديهم.

نصبت غالبية هذه التهكمات على شخص الرئيس الأميركي الحائز على جائزة نوبل للسلام.... كما تطرقت أيضاً للعديد من جوانب الأزمة السورية  من خلال النقد اللاذع الذي وجه إلى اللجان الشعبية، وقرار الحكومة الدائم بالاحتفاظ بـ«حق الرد»، وأخيراً إلى شخص أوباما الهزلي.
يخفف هذا المشهد الساخر أحياناً، هول ما قد تؤول إليه الأمور، ويرجع إلى ذاكرتي مشهد سينمائي صارخ، مشهد القنبلة الذرية التي تفني العالم والبشرية في رائعة المخرج ستانلي كوبريك «الدكتور سترانجلوف»، الفيلم الذي عرفه «كوبريك» بقوله: «كيف تعلمت أن أكف عن القلق وأحب القنبلة».
يعتبر فيلم «الدكتور سترانجلوف» من روائع الكوميديا السياسية، أسس لهذا الشكل من النقد السياسي الساخر في السينما. تدور أحداث الفيلم في فترة الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية، حيث يقرر أحد الضباط الأميركيين والمسؤول عن (القاذفات النووية الجاهزة للهجوم المباشر فوق الأراضي السوفيتية)، الإقدام على إرسال شيفرة لبدء الهجوم النووي على الأراضي الروسية!!. كان قراره ذاتياً مشحوناً بتراكم الأيدولوجية الكارهة للشيوعية و«خطر المد الشيوعي»، وبعدم رضاه عن أداء بلاده تجاه هذا الخطر.
يجتمع قادة الجيش والوزراء والرئيس الأمريكي في مكان يراد منه تجسيد غرفة عمليات الحرب الأميركية، على طاولة  كطاولة البوكر، محاولين منع هذه الطائرات من الهجوم،  مخالفاً للقوانين  يدخل إلى  الغرفة السفير السوفيتي، مخالفاً للقوانين، ليعلمهم أن بلاده فعّلت جهازاً يدمر الأرض وينفي إمكانية الحياة على سطحها لمدة مئة عام إذا مس الاتحاد السوفيتي أي خطر نووي..!!
سنكون في مواجهة طائرة أمريكية محملة بالقنابل النووية تخرج عن السيطرة والاتصال، مسببة أزمة دبلوماسية وعسكرية تنذر بفناء الأرض. سنكون أمام نهاية العالم وفناء البشرية على أيدي مجانين الحرب الذين تحكمهم الذاتية ويصبح الحل الوحيد هو النجاة بأنفسهم كأفراد، يجد «كوبريك» السخرية سبيلاً للاستخفاف بهذه الشخصيات وقراراتها.
عمل «كوبريك» مطولاً على إنجاز فيلم يصور الخطر النووي والتنافس عليه بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه قرر أخيراً أن يحول هذا العمل إلى كوميديا سياسية ساخرة فكان فيلم  «دكتور سترانجلوف» الغني بعناصر مشوقة وممتعة وأقوال مضحكة وشخصيات مرسومة بجنون عبقري. ويختتم «كوبريك»  الفيلم بالمشهد الشهير، مشهد تدمير الأرض المأساوي، لكن رغم مأساويته، يأخذ منحى آخر مليئاً بالأمل والحديث عن التلاقي مجدداً من خلال أغنية تقول:
«سنلتقي مجدداً، لانعرف أين ولا نعرف متى..
لكنني على يقين أننا سوف نلتقي في يوم مشمس، واصل الابتسام كما تفعل دائماً...».
يواصل «كوبريك» الابتسام أثناء حديثه عن الفيلم في أحد اللقاءات:
« إن أسخف فكرة تخطر ببال المرء، هي استعداد قوتين نوويتين لإبادة الجنس البشري، وكل أنحاء الحياة، بسبب خطأ غير مقصود تثيره النزاعات السياسية، هذا السبب قد تراه الأجيال القادمة تافهاً بنظرتنا نفسها اليوم إلى الصراعات اللاهوتية في القرون الوسطى».
 نشاهد نحن السوريين اليوم هذا الصراع، ونترقب في انتظار مجانين الحرب، ربما نكون بحاجة لـ«كوبريك» آخر، يجسد لنا الكوميديا السياسية، حاملاً الأمل والابتسامة في أشنع الحروب لنتمكن من مواجهة هذه الحروب بالنقد والضحك ونرسم الفكاهة والفكر من تفاصيلها.