كل الناس فلاسفة..
حسب الفيلسوف غرامشي إن جميع الناس مثقفون، فهم يمتلكون مستويات مختلفة من المعرفة والتصورات عن الطبيعة والمجتمع ويمتلكون أيضاً سلسلة من المواقف الاجتماعية تجاهها، وقد طور غرامشي مفاهيمه لاحقاً ليميز بين مفهومي المثقف المحترف والمثقف العضوي،
فالأول تتحدد ثقافته بإحداثيات مهنته -موقعه الاجتماعي ويستتر موقعه الطبقي في نمط تفكير وعيش حيادي، ويمكننا هنا عرض طائفة واسعة من هذه المواقع الاجتماعية، وليس المنتجون لألوان الثقافة والفنون المختلفة ( الفنانون والأدباء مثلاً) إلا جزءاً صغيراً منهم بعكس ما هو سائد بالمنطق الشعبي من جهة، والمنطق الرسمي والتقليدي المعلب من جهة أخرى، ففي موقع المثقف المحترف نجد الطبيب والمهندس ورجل الدين والحرفي ..الخ، بينما المثقف العضوي فهو الذي لا يتميز بمهنته – موقعه الاجتماعي، بل بوظيفته الاجتماعية فهو «ذلك العنصر المفكر والمنظم في طبقة اجتماعية أساسية معينة».
وبالسؤال عن المسافة الوهمية بين المثقفين كموقع، وبين تصورات المجتمع عنهم، وعن طبيعة التناقض المستمر بين مفهومي المثقفين «العضوي والمحترف»، والتناسب المتحرك بينهما، هل يجوز إسقاط التصور السابق بصورته الثابتة على واقع مجتمعات، تشهد موجات حراك شعبي ناشئة، فرضتها ظروف موضوعية تضغط باتجاه تغيير نوعي لم تتضح ملامحه الكاملة بعد؟
إذا كانت الأزمة الشاملة العميقة المولدة للحراك قد أصابت جميع مفاصل الحياة ووضعت المجتمع في وعاء البحث والتساؤل أولاً، فإنها في حركة تطورها تدفع يومياً بحركة فرز عميقة تأخذ كل شرائح المجتمع إلى مواقعها الحقيقية، بما يحفظ ويؤمن مصالحها لاحقاً، مما يعني دخول المجتمع في حركة تصادم داخلي من خلال تناقضاته الحقيقية، الأمر الذي يبني، في الظرف الملموس، بدء تحرك شرائح المثقفين إلى العمل الاجتماعي والسياسي الجدي ضمن الفرز القائم.
يحكم خط الحركة هذا، تحرك المثقفين المحترفين باتجاه مسار طبيعي يفترض وجود المثقف العضوي في نهاية المطاف. وعندها ستسقط كل التصورات التقليدية السابقة عن مواقع المثقفين وأدوارهم مع سقوط حامليها، وبالذات سقوط ذلك الجزء من المثقفين المكابرين و «المعندين» على التغيير.