«عم يلعبوا لولاد عم يلعبوا»

«عم يلعبوا لولاد عم يلعبوا»

يترقب السوريون اليوم مصيرهم متابعين ألسنة الإعلام الملونة، خلال مشاهدتهم المطولة للتلفاز في هذه الأيام المشحونة بجرعة زائدة من الضخ الإعلامي والشحن الممنهج للاقتتال والعنف والضغط النفسي وتهديدات قد تكون واهية،.

تعرض إحدى القنوات مشاهد  أطفال يلعبون في مدارسنا السورية ذات الطابع المعروف لكنهم يرتدون «اللباس المدني». ربما تسلقوا حائط المدرسة بعد انتهاء الدراسة ليستغلوا مساحة للعب دون رقيب، هاربين من فروضهم المدرسية والتزام اللباس المدرسي الموحد، ربما ليشعروا  أن المدرسة التي تقيدهم في الصباح، أصبحت تحت سيطرتهم وتصرفهم في المساء. الملفت ما كُتب تحت مشاهد الفيديو هذا «خمسة آلاف مدرسة سورية أغلقت وتحولت لمراكز تدريب للأطفال والمراهقين على الجهاد..!!».
قد يخطر لك أن يكون هذا ما يسمى «تضليل إعلامي». والأطفال في المدرسة تواجدوا بعد دوام مدرسي، وخلعوا سترات الدراسة، ليلعبوا الكرة بعد تسلقهم الجدار سراً... فهولاء أطفال سورية المعتادون والمألوفون، ولكن ينتهي التقرير لتطل مقدمة الأخبار بابتسامتها العريضة المفروضة لضرورة عدم التحيز في الخبر المعلن. طبعاً فالجهاد وموت الأطفال وتسليحهم، أصبح في زمننا وجهة نظر قد لا يضطر الإعلام لانتقادها حتى، بل يكتفي بعرضها فقط، ليبقى «الرأي لكم»
وحتى لا نظلم المذيعة المسكينة التي قد تكون فرحت لرؤية الأطفال يلعبون ولم تصدق «مثلنا» نحن المشاهدين، أنها معسكرات لتدريب وتسليح الأطفال وإرسالهم إلى عمليات انتحارية بعد دراسة نفسية لحالة كل طفل، بينما كانوا هم  فرحين حقاً، يذكرنا بالعراكات والعنف البريء القائم على مجادلات الكرة أو الدراجة الهوائية سابقاً، وربما بعض ألعاب «الديفدي». ولكن عراكهم في المشهد لم يكن مزاحاً، كان ضحكاً يرسم نظرة تحقيق ذات ووصول مبتغى قلما نشاهده في عيون  طفل، اندفاع غريب في عيونهم...لا يمكن تبريره سوى بكونهم ظنوا أنفسهم في كوكب الأكشن على محطات الأطفال التي تلون العنف، وتغني: «أكشن كوكب التحدي والمخاطر، نقاتل أنصار الشر، حياتنا رهن الثواني...».
يطل، في مشهد آخر موظف ذو مرتبة عالية في وزارة الدفاع الأميركي، ليمتعنا عبر خدمة السكايب.لن يفوتنا لون لباسه المنزلي ولا رفقه بالحيوانات ولهجته ذات الطابع الحنون، لن يفوتنا لباس زوجته المنزلي وكيف تلعب الكلب وتوبخه وتربيه، لن يفوتنا ضحكته المبشرة بالقدرة والنصر على جلب الديمقراطية المزعومة وتحقيق الحرية للشعب السوري، ونحن نسمع كلامه عن ضرورة ضربة عسكرية من  القيادة الأميركية «الحنونة» على سورية لوقف نزيف الدماء...!!. قد يدفعك نواحه ورقة وإنسانية كلامه المفتعلةلأن تحلم بمشهد كما في نهايات الأفلام الهوليودية، حيث النصر الأميركي والعلم الأميركي يرفرف بهدوء في أفق السماء وعيون الجموع تذرف دموع الفرح...
ولو افترضنا أن المشاهدين شاركوا الإعلام لعبته تلك وقاموا بتبديل الأدوار في
هذين المشهدين المتلاحقين، وقاموا بإرسال هذا المتحدث بالحريات وضروراتها إلى  معسكر في ريف حلب مثلاَ، ليخضع للتدريب القاسي والتأهيل النفسي ويفجر نفسه باسم «الحرية» المنشودة بمال دولته الداعم لهذه الجماعات الدينية المتطرفة ويحقق بذلك «المهمة النبيلة» «لليانكيز» بحماية الطفولة والحريات في العالم.  ربما سيأخذ  هؤلاء الأطفال متسعاً من الراحة والأمان و السكينة ليعيشوا في منزل منسق ومجهز بكافة أشكال التكنولوجيا والرخاء ويلعبوا مع الكلاب وينادوا بحقوق الحيوان كذلك، هل كانوا سيفكرون بالجهاد أو الموت.
 لم يعرف هؤلاء الأطفال بعد أنهم مادة دسمة لزيادة الشحن والكره،  لزيادة الانقسام والشرخ في بنية المجتمع، لم يعرفوا أيضاً أنهم أصبحوا «اللعبة».. لعبة تجار الموت ولعبة الإعلام.. في خضم التوترات والمشاحنات الإعلامية  وتصاعدها المدوي. ولكن لن تستمر هذه الألاعيب طويلاً وستنتهي ،وستتوقف لعبة الموت فما من صراع يستمر للأبد، عندها ستعود المدارس لتحتضن صراخ الأطفال وشغبهم البريء، وسيلتقط االمرمى أهدافهم الكروية، وتعود هذه المدارس خارج عالم السلاح والموت.