الصعوبة في أن تمتلك قلباً

الصعوبة في أن تمتلك قلباً

«كيف انتهت الأمور هناك؟ كم هي وحيدة؟  أما زلت تلمعين في غياب الشمس؟  هل الطيور لا تزال تغني في الطريق إلى الغابة؟ هل بإمكانك أن تستلمي الرسالة التي لم أجرؤ على إرسالها؟ هل أستطيع أن أنقل الاعترافات التي لم أبح بها؟  هل سيمضي الوقت وتذبل الزهور؟ لقد حان الوقت لأقول وداعاَ مثل الريح التي تتوانى ثم تمضي».

هذا مخاض الذاكرة التي رست عليها «ميجا» في لحظات العمر الأخيرة، وهي تترك وصية الجمال لمجتمع القبح. هكذا ودعت «ميجا» مجتمع الجريمة والاستهلاك، «ميجا» ربة التفاصيل العجوز التي تحمل جمال الصبا في بقايا الوجه الكهل....
وهكذا أنهى المخرج الكوري «لي تشانغ- دونغ» فيلمه الشهير «الشعر» بقلم بطلته «ميجا» سيدة الشاشة الكورية الجنوبية «يون يوانغ- هي» .
تدور أحداث الفيلم في إحدى مقاطعات كورية الجنوبية، وتحكي قصة امرأة تعيش على المعونة الاجتماعية في زمن التشتت الأسري في خضم المجتمع الاستهلاكي الصعب.
 تمارس «ميجا» الحياة من خلال رعاية حفيدها الجامد أمام مغريات التلفاز. تنبش الذاكرة عندما أخبرها الطبيب عن إصابتها بمرض الزهايمر، فتتذكر أحدى مشاركاتها في الطفولة بمسابقة للشعر، حيث قيل لها أنذاك أنها مشروع شاعرة، تستذكر تلك الشاعرة الصغيرة بعد خمسين عام من الشقاء المغبر المنسي بين التكنولوجيا الرمادية التي لامكان لها فيها...
هي العجوز الجميلة الملونة، تبحث عن الجمال فتلتقي الإلهام , وتكتب قصيدة واحدة طلبت منها كفرض في دورة لتعلم كتابة الشعر.
لم تتوقع أن تلتقي الإلهام سوى في مراقبة الزهور، وتأمل أوراق الشجر والغرق في تفاصيل المياه المتدفقة داخل حوض غسيل الأطباق ولكن، حدث جلل يدخل حياتها ويقلبها إذ تورط حفيدها بعملية اغتصاب زميلته في المدرسة، وانتهى بانتحارالفتاة، فعل قبيح فتح باب الإلهام أمامها، بدلاً من الجمال الذي لم تتوقف يوماً عن  البحث في  تفاصيله وثناياه, واختبرت أساريره الدفينة، ألهمها الظلم وموت الضحية. ربما لم يكن إلهاماً،  بل كان وصية للهرب أو قلبها الذي كتب خفايا روحها.
يقول مدرس الشعر:«ليس هناك صعوبة في أن تكتبنَ قصيدة، ولكن الصعوبة في أن تمتلكن قلباً»
امتلكت «ميجا» قلباً على عكس زميلاتها وحفيدها... قلباً يجعلنا نستذكر القلوب الميتة في زمن الحرب المر، كم قلباً يجب أن يخفق بالشعر، هل سنكون شعراء تقتلنا القصيدة، هل ستكون القصيدة طلقة الرحمة في زمن الموت الرهيب الذي نعيشه؟  أم سنكون مغتربين نبحث عن الجمال في واقع قبيح وأليم، هل سنتمكن من رفع قيم التوازن والصلح في مواجهة الكراهية والتشرذم والبغض؟ لأننا محكومون بالأمل سنصنع قصيدة الوطن، مجسدين معنى الشاعرية الحقة في مواجهة الحرب.