«مصطفى شدود».. صرخةٌ لاقت رجع صداها
استأثر مشهد الضابط السوري «مصطفى شدود» باهتمام شرائح واسعة من المجتمع السوري الأسبوع الماضي، حيث يظهر في مقطع فيديو مصوّر من عدة دقائق وهو يتحدث من بعيد مع مقاتلين من أحد ألوية الجيش الحر
ليتخذ بعد ذلك قراراً شجاعاً بأن يترك سلاحه ويمضي أعزل نحوهم ليخوض معهم «نقاشاً» بدلاً من معركة، قبل أن يُكشف بعد عدة ساعاتٍ فقط حقيقة أن الضابط شدود استشهد بعد بضعة أشهر من تصوير الفيديو.
لم يشِ مقطع الفيديو للوهلة الأولى بأي جديدٍ يجعله مختلفاً عن مشاهد الحرب السورية التي أنُتجت وتداولت حد التخمة في السنتين الماضيتين، حيث استهل بتصويره ضباطاً ومقاتلين يتربعون مشهد دمارٍ بات مألوفاً. إلا أنه اكتسب شحنته العاطفية المختلفة تماماً من عنصر المفاجأة التي حملتها شجاعة «شدود» في الاقتراب من مقاتلي الجيش الحر، والعبارات التي كررت طوال فترة المشهد كإجابته عن سؤال «أنت من وين» بـ«أنا من سورية»، كما لو أنه لا يستطيع فهم الانتماء إلا بكليّته، وما تلا ذلك من عبارات تاق الشعب السوري لسماعها منذ سنتين وحتى الآن، الأمر الذي ولّد مشاعر من الارتياح والأمل لدى العديد من المواطنين على اختلاف آرائهم السياسية بإمكانية تبني خطاب مماثل بعيداً عن السلاح الذي وضعه «شدود» على الأرض حرفياً ومجازياً، وحوّله إلى «بطلٍ شعبي» من نوع خاص.
وفي الوقت ذاته –وللمصادفة- اكتسبت بعض الملامح الشخصية لـ«شدود» أبعاداً هامة رفعت من شدة تأثير المشهد، أهمها: نبرة صوته وطريقته في الكلام، وملامح وجهه الأسمر وعيناه المتسعة التي تضيق بحزنٍ، وخوذته الكبيرة، وملابس القتال الباهتة التي جعلت منه تجسيداً حيّاً لصورة «الجندي السوري» ما قبل الأزمة التي قسمت المقاتلين إلى «أحرار ونظاميين».
يشكل الاهتمام الشعبي بالمشهد السابق مؤشراً حقيقياً على توجه باتت تتضح معالمه بين شرائح واسعة من المجتمع السوري الذي ضاق ذرعاً بالحرب الدائرة وآثارها الاجتماعية والاقتصادية، وبدأ يعلن رفضه الصارخ لسطوة السلاح، ما يعني أن كلمات «مصطفى شدود» التي صرخ بها معلناً بدء مرحلة جديدة، سيتردد صداها كثيراً في الأشهر والأيام القليلة القادمة.