«تعال وانظر».. كابوس الحرب العالمية الثانية

«تعال وانظر».. كابوس الحرب العالمية الثانية

«فلورا» المراهق ذو الشعر المذهب والعيون البريئة والضحكة الشقية، التي يسترقها في خضم مستنقع الحرب العالمية الثانية،  وينبش في الخيارات الصعبة لهذه الحرب.

يقرر الصبي «فلورا» ابن القرى البلاروسية «السوفيتية»، أنه لا وقت للعب أثناء الحرب، وضرورة واجب القتال، رغم محاولات أمه في ردعه عن ذلك، ولكن يبقى فلورا يبحث عن سلاح في أراضي المعارك الخامدة إلى أن يجد بندقية وينضم للجيش السوفيتي في حربه ضد النازية وتبدأ الحكاية...
قدم المخرج الروسي إيليم كليموف في عام 1982 رائعته «تعال وانظر» مجسداً صورة من معاناة الحرب العالمية الثانية في إحدى  قرى بيلاروسيا، يضع إيليم كليموف أفكاره اليسارية في فيلم له طابع الوثائقية، ويتكلم عن مجازر النازية في هذه القرى، وجرى تصنيف الفيلم كأفضل أفلام الحروب وحصل على الجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي عام 1985.
«أليس آداموفيتش» كاتب السيناريو،  قلل كلماته التي تحكي تجربة ذاتية عايشها خلال الحرب، يترك الصورة تتكلم،  فاللغة تصبح عاجزة أمام هذا الرعب.
تعال وانظر إلى «فلورا».. تعال وشاهد أطفال الحروب.. تعال شاهد ما فعل بهم أسياد الحروب المجانين... انظر إلى جرائم البشرية، انظر بكل قسوة لتتعلم ما معنى أن تكون طفلاً وسيد قرارك في زمن الحرب، انظر إلى جرائم البشرية انظر، ولا تنسى فلا يجب أن ننسى أن على هذه الأرض دائماً أطفال سلبت طفولتهم وشعوب شهدت أفظع أشكال الإبادات الجماعية بلا ذنب...
وهنا في قرى بيلاروسيا، سيشهد السكان المجازر الأفظع التي شهدتها البشرية  وتبدأ الحكاية والرؤية المطولة لفيلم غني بالمؤثرات الصوتية القوية كمشهد القصف النازي على الغابة الهادئة والإحساس بالصمم الذي أصاب فلورا جراءها، حيث نسمع جوف فلورا وصدى الخارج ونتعمق بحزنه وألمه أكثر فأكثر.
نفذ المخرج إيليم كليموف تقنيات الحرب ببراعة فائقة، وكلما تقدمنا في المشاهدة يتصاعد التأثير المرعب لتجليات الحرب فاضحاً ممارسات النازية فيها.
 تتضح ملامح السينما الروسية (بطء السرد وإطالة المشاهد المركزية كمشهد السير في المستنقع تجسيداً للحرب الموحلة القذرة التي عاشتها أوروبا وحجم المعاناة المطلوب للخروج منها والذي مثلته معاناة فلورا وصديقته في المشهد). مع ذلك لا يترك الفيلم مجالاً للهدوء أثناء مشاهدته، فهو تراكم لمظاهر الوحشية والمعاناة بلا هوادة ...فوجه «فلورا» النضر المتدفق بالحياة يتحول في نهاية الفيلم إلى وجه مضرم بندوب الحرب وتشوهاتها، تبصر عيونه الواسعة وتراجع ذكريات الحرب وشواهدها، موثقة أفعال سفاح الحرب العالمية الثانية «هتلر» ومسجلاً الإبادات بحق 626 قرية في بلاروسيا وإحراقها بسكانها.
تعال وشاهد.. كما قال «يوحنا» في إنجيله أفظع الجرائم بحق الإنسانية.. تعال وشاهد فربما تعْتبر....