احتفالاً بالذكرى الـ 140 لولادة رحمانوف
عماد الدين رائف عماد الدين رائف

احتفالاً بالذكرى الـ 140 لولادة رحمانوف

يحتفل عشاق الموسيقى الكلاسيكية حول العالم، في العام الحالي، باليوبيل الأربعين بعد المئة لولادة سيرغي رحمانينوف، حيث تعزف مؤلفاته الموسيقية. «من المشوق أن تعزف مؤلفات رحمانينوف في بيروت، خصوصاً الكونشيرتو الثاني»، كما يقول الموسيقيّ الروسي مارات غوبايدولين.

غوبايدولين اعتلى أمس، خشبة مسرح «كنيسة القديس يوسف» في بيروت، ليحيي ذكرى رحمانينوف، إلى جانب «الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية» بقيادة المايسترو هاروت فازليان. بيروت عزيزة على قلب مارات، فقد قضى فيها نحو ستة أشهر محييا الحفلات مطلع تسعينيات القرن الماضي، قبل أن ينتقل إلى دمشق ليقضي عقدا من الزمن. وقد ترك سوريا، التي يعتبرها موطنه الثاني، في العام الماضي، بعد الأحداث التي ألمت بها.


يرى مارات أن ثمة رابطاً بين رحمانينوف وبيروت، فقد «مرّ رحمانينوف بأزمة إبداعية حادة بعد تأليفه سيمفونيته الأولى، استمرت الأزمة ثلاث سنوات، لم يستطع فيها تأليف أي مقطوعة. وتابع حالته أحد المعالجين النفسيين، وهو نيقولاي دارب، الذي كان موسيقياً في الوقت عينه».


ساعد دارب، الموسيقي والطبيب، رحمانينوف في الخروج من أزمته. ولعبت الموسيقى حيزاً في العلاج. وقد أهدى رحمانينوف إحدى مقطوعاته لدارب. وبعد انهيار الإمبراطورية الروسية ووصول البلاشفة إلى السلطة، هاجر عدد من المثقفين الروس الأراضي الروسية إلى أماكن مختلفة حول العالم، وكان من نصيب دارب أن وصل إلى لبنان.


أسس دارب معهداً لتعليم الموسيقى في بيروت. «أرى أن عزف الكونشيرتو الثاني لراحمانينوف في بيروت يكتسب أهمية خاصة، وإن كانت غير مباشرة، لما لنيقولاي دارب من دور في تأسيس للمعهد الموسيقي فيها»، وفق غوبايدولين.


يحتل رحمانينوف مكانة بارزة في تأريخ الموسيقى العالمية. وينتمي في إبداعه إلى «العصر الفضي»، المقترن بالتركيز على الرمز وصدقية التعبير وفوران الانفعالات. وذلك من السمات المميزة للمدرسة الموسيقية الكلاسيكية الروسية. وبرز رحمانينوف كعازف بيانو ماهر. قاد الأوركسترا للمرة الأولى في العام 1893 في كييف، حين كان في العشرين من العمر، لدى عزفه موسيقى أوبرا «أليكو»، وهي من تأليفه، ومستوحاة من قصيدة الشاعر الكبير ألكسندر بوشكين «الغجر».


طور رحمانينوف الأسلوب السيمفوني الروسي ذي السمات الدرامية. إلى أن وصل إلى تأليف الكونشيرتو الثاني، الذي يعزف على البيانو مع الأوركسترا، في العام 1901. وهو يتألف من ثلاث حركات، تمتد على 35 دقيقة.


مارات، يعتبر اليوم أحد الفنانين الروس الموهوبين، الذين عزفوا موسيقى رحمانينوف بشغف. وهو سليل عائلة موسيقية من مدينة أوفا. بدأ تطوير مهنته في العزف والتأليف للبيانو منذ كان في الحادية عشرة من عمره، حين عمل والداه في دمشق. يقول: «الموسيقيّ عليه أن يكون مستعداً متحفزاً. أن يتفاعل مع عزف المقطوعات التي تدرّب عليها».


والدة مارات فنانة الشعب البشكيري غالينا خالدييفا، هي «فنانة مكرّمة»، كميتسو- سوبرانو إفرادية، مرموقة في «أوبرا ومسرح باليه باشكيريان الحكومي». كانت لها محطة طويلة في لبنان، فقد درّست الغناء في «جامعة الكسليك»، و«مدرسة غسان يمين للموسيقى». ولعب والده روستام، دوراً كبيراً في إبداعه، كونه مدرساً للبيانو في «كونسرفتوار أوفا الحكومي»، وفي «مدرسة الأطفال المميزين». درس مارات على أيدي موسيقيين بارزين مثل فيرا غورنوستيفا، ويوجين ميخائيلوف. يقول: «الأهل لم يصروا على تعليمي الموسيقى. ومع انتقالنا إلى دمشق بدأ اهتمامي يزداد بالفنون. وبدأت أتلقى الدروس الموسيقية على يد والدي. وكذلك على يد فيكتور بونين، الذي درّس الموسيقى في الكونسرفتوار اللبناني كذلك». أنهى مارات المدرسة الموسيقية في مدينة أوفا، «ثم تخرجتُ من الكونسرفتوار في قازان، وأنهيت دراساتي العليا في المعهد الموسيقي الحكومي في موسكو».


قضى مارات في سوريا نحو عشر سنوات، بعد عمله في لبنان لنحو ستة أشهر أوائل التسعينيات. يضيف: «وصلتني دعوة من رئيس الأوركسترا الوطنية السيمفونية في لبنان هاروت فازليان، عبر رئيس المركز الثقافي الروسي في بيروت خيرات أحمدوف».


وكان فازليان يرغب في معرفة من يستطيع أن يعزف على آلة البيانو الكونشيرتو الثاني لرحمانينوف. ولعبت الصدفة دوراً، «إذ إن والدتي عندما عملت في لبنان، تركت تسجيلات لحفلات موسيقية أحييتها، تتضمن عزفي لذلك الكونشيرتو». وبعد أن توجه فازليان إلى أحمدوف بالسؤال عمن يستطيع أن يعزف الكونشيرتو، كانت الإجابة حاضرة. «وهكذا تعرفت إلى فازليان، وتدربنا لعدد من المرات يومياً معاً في الكونسرفتوار»، وفق غوبايدولين.


لحن مارات العديد من المقطوعات لآلة البيانو والغناء، وموسيقى الحجرة، والسيمفونيات، ومقطوعة بيانو للمسرح بعنوان «النهاية»، من كلمات بوريس باستيرناك. وحاز على جوائز عدة. وهو يعزف البيانو في «فرقة باشكيريان الفيلهارمونية» في روسيا. كما درّس البيانو والتلحين، حتى العام الماضي، في «المعهد العالي للموسيقى» في دمشق. ودعي إلى التحكيم في «مسابقة صلحي الوادي الدولية الخامسة للمواهب الشابة على آلة البيانو»، التي تستهدف عازفي البيانو المبدعين من الشباب السوري والعالمي. وتعتبر تظاهرةً سنويةً للحوار وتلاقي الثقافات.



المصدر: السفير