أوبرا كونتشيوي والطريق إلى الشهرة العالمية
لي يوان لي يوان

أوبرا كونتشيوي والطريق إلى الشهرة العالمية

قد كتب الباحث الصيني المشهور في أوبرا كونتشيوي، يوي تشيو يوي، في مجموعة من مقالاته ((أين صوت المزمار؟)): "إذا كانت هناك ثقافة، تتولع بها أمة لفترة طويلة من الزمن، فلا بد أن تتطرق هذه الثقافة الى النفسية العميقة للأمة. وفقا لهذا المعيار، هناك بعض ثقافات الأمة الصينية التي يحبها معظم الناس وجديرة بالاهتمام، ومنها شعر عهد أسرة تانغ وفن الخط وأوبرا كونتشيوي."

عرض أوبرا كونتشيوي الصينية في مركز لينكولن لفنون العرض

تخرجت هاو منغ في الأكاديمية الوطنية للفنون المسرحية الصينية. بعد تخرجها، لم تصبح ممثلة أوبرا كونتشيوي، لكن أربع سنوات من دراسة هذه الأوبرا في الجامعة، غرست في قلبها حبها الأوبرا وإعجابها بها. وقد جعلها لقاء جمعها مع مجموعة أمريكيين أصدقاء لأخيها، تعيد ترتيب وتوجيه حياتها المهنية.

أثناء زيارتها إلى أخيها الذي كان يدرس في الولايات المتحدة الأمريكية، حضرت لقاء مع أصدقائه. وهنأ الجميع حينها أخاها لنشر أوراقه الأكاديمية في مجلة أمريكية متخصصة، ودارت أحاديث ساخنة بين الجميع حول موضوعات أكاديمية. شعرت هاو منغ أنها غريبة في أجواء هذا النقاش بسبب حاجز اللغة واختلاف التخصص. أدرك أخوها أنها تشعر بالملل، فقال لها وهو يحاول أن يغير من حالها: "هل يمكن أن تغني لنا أوبرا كونتشيوي؟" ترددت الفتاة لأن أغنيات أوبرا كونتشيوي تتطلب مهارة وقدرة عالية وقل من يجيدها حتى في الصين، وظنت أن الأجانب قد لا يمكنهم فهمها أو قد لا تكون لديهم الرغبة في الاستماع للأوبرا. بعد تشجيع من أخيها، بدأت هاو منغ بغناء جزء من أوبرا كونتشيوي: "لا أحد يتمتع بهذه الأزهار الملونة إلا الجدران المنهارة القديمة. إننا نظلم هدية السماء بسب تجاهل المناظر الجميلة. من يمكنه التمتع بالمناظر الجميلة في الحديقة؟" عندما انتهت من غناء هذا المقطع من الأوبرا، قوبلت بترحيب وتصفيق حار. تأثر الأصدقاء الأمريكيون بأوبرا كونتشيوي الجميلة وعرض وأداء هاو منغ.

بعد أيام، زارت هاو منغ حديقة ييلوستون الوطنية الأمريكية. عندما رأت جهود السكان المحليين لحماية أكثر من ألفي حيوان مهدد بالانقراض، تأثرت مرة أخرى. قالت: "بدأت أوبرا كونتشيوي وتطورت منذ ستمائة سنة، لكن للأسف لا يوجد سوى أكثر من ستمائة ممثل ومطرب متخصص فيها. هذا النوع من الثقافة العريقة والعظيمة يستحق بذل جهودنا من أجل حمايته ونشره والمحافظة عليه."

أوبرا كونتشيوي من أقدم أنواع فنون الأوبرا الصينية، وعلى أساسها تطورت أنواع كثيرة من الأوبرا الصينية، لكن عندما نستعرض تاريخ هذه الأوبرا، نجد لها المد والجزر في التطور. يعتقد باي شيان يونغ، وهو كاتب من تايوان، أن انحطاط أوبرا كونتشيوي المؤقت لا يمثل اختفاء إنجازاتها الفنية. تمثل أوبرا كونتشوي أعلى معيار من الجمال والإبهار بفضل جمال وروعة الكلمات المغناة والرقصات والموسيقى التي تجسد مشاعر الطبيعة البشرية في فن الأوبرا. في عام 2001، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) أوبرا كونتشيوي في قائمة "روائع التراث الشفهي وغير المادي للبشرية"، وأصبحت نافذة شعبية عالمية للتعريف بالثقافة الصينية التقليدية والأوبرا الصينية.

قررت هاو منغ أن تعمل لحماية وتوراث أوبرا كونتشيوي. أخبرت زملاءها وأصدقاءها بخططها وقرارها، وسألها أحد الأصدقاء: "هل تعتبرين أوبرا كونتشيوي "حاجة ثابتة" في مجتمع اقتصادي؟" ردت على السؤال بسؤال: " هل ترى "الثقة الذاتية" هي "حاجة ثابتة" بالنسبة لكل إنسان؟". فأقنعت زملاءها وأصدقاءها بفكرتها.

في نوفمبر 2017، أقيم مسرح "الحزام والطريق" لأوبرا كونتشيوي، الذي بدأته هاو منغ وساهمت قطاعات مجتمعية مختلفة في تأسيسه رسميا في "منتدى أوبرا كونتشيوي، التراث الثقافي العالمي غير المادي". قال يانغ فنغ، نائب رئيس جمعية المسرح بالصين ورئيس مسرح أوبرا كونتشيوي في شمالي الصين، في المنتدى: "أصبح توارث وتطوير أوبرا كونتشيوي، بفضل جهود قطاعات المجتمع المختلفة، أسلوبا مبدعا لتطور الأوبرا."

شارك في تأسيس مسرح "الحزام والطريق" لأوبرا كونتشيوي شخصيات من مجالات الثقافة والاستثمار وتعليم أوبرا كونتشيوي وبعض المبعوثين الدبلوماسيين لدى الصين. قالت هاو منغ: "هذا يظهر السحر الفني لأوبرا كونتشيوي، ورغبة قطاعات المجتمع في توارث وتطوير أوبرا كونتشيوي."

في منتدى حول أوبرا كونتشيوي، التراث الثقافي غير المادي العالمي، سلّم لي كاي ون، رئيس المنظمة الصينية- الأمريكية للتبادل الثقافي، هاو منغ جائزة تقديرا لمساهماتها الخاصة للتراث الثقافي غير المادي وتقديرا لجهودها في تطوير وحماية أوبرا كونتشيوي، كما وجه دعوة لمسرح "الحزام والطريق" لأوبرا كونتشيوي لتقديم عرض في مركز لينكولن لفنون العرض في عام 2018.

عرض الفنون العريقة بالأسلوب الحديث

في 31 ديسمبر 2017، عرض جزء من أوبرا ((جوسق الفاوانيا: حلم مشرق في الحديقة))، وكانت أول عمل يقدمه مسرح "الحزام والطريق" لأوبرا كونتشوي، في قاعة نصب الألفية بالصين. هذه الأوبرا مقتبسة من مسرحية ((جوسق الفاوانيا: حلم مشرق في الحديقة)) التي ألفها الكاتب تانغ شيان تسو في الزمن القدين.

قالت هاو منغ: "أكبر نقطة اختراق كانت تصميم خشبة المسرح." الأسلوب الجديد في التصميم سيكون أكثر جمالا وحداثة، مقارنة بالأسلوب التقليدي. كانت هاو منغ مساعدة للمخرج العام لحفلي افتتاح وختام دورة الألعاب الأولمبية التاسعة والعشرين في بكين سنة 2008، ومساعدة المخرج العام لأوبرا ((توراندوت))، نسخة عش الطيو. خلال عملها مع المخرج تشانغ يي مو، تعلمت هاو منغ من تفانيه وجديته في العمل، كما تكون لديها فهم خاص لاستخدام العناصر الصينية للحصول على أضواء وظلال مسرحية مبهرة وجيدة. اتبعت هاو منغ مع فريق العمل عملية تعديل جديدة في ((جوسق الفاوانيا: حلم مشرق في الحديقة)). حيث قاموا باستخدام ستارة متناسقة بين خشبة المسرح وتقنية الفيديو، لإظهار أسلوب ومنظر يشبه الحبر الصيني ومصحوبة بتكنولوجيا الإضاءة المعاصرة لتقديم عالم فني خيالي جميل وجذاب للمشاهدين. عندما تحدثت هاو منغ عن تجاربها المختلفة في إخراج الفعاليات الكبيرة وإخراج الأوبرا، قالت إن الأوبرا أوسع وأشمل وتتمتع بتفاصيل أكثر، الفرق بينهما مثل الاختلافات بين الأفلام والمسلسلات التلفزيونية.

في العرض الأول، أعجب المشاهدون بالتمثيل المسرحي كثيرا. قال مشاهد عمره أكثر من خمسين سنة: "تصميم خشبة المسرح حديث وجذاب جدا ويهيئ فرصة تطور جديدة للأوبرا التقليدية."

قال هان تسي يونغ، مدير الصندوق الصيني الوطني للفنون: "لا نريد أن تصبح الأوبرا التقليدية، ممثلة بأوبرا كونتشيوي، فنا متحفيا مندثرا. الميزة الكبرى للفنون هي المشاركة. ينبغي للأوبرا التقليدية أن تجد أساليب التوارث والتطوير المناسبة للفنون العريقة في المجتمع الحديث لجعل العوامل التقليدية والجمالية المعاصرة تتأثر وتتكيف مع بعضهما البعض، وإلا فإنها سوف تفتقر إلى حيوية التطور على المدى الطويل."

إن توارث الأوبر لا يستغني عن مشاركة المشاهد. تعرف هاو منغ أهمية جذب المشاهدين لمتابعة العروض. فقبل عرض أوبرا كونتشيوي، قدمت هاو منغ للمشاهدين تجربة غامرة في التراث الثقافي غير المادي. عندما دخل المشاهدون إلى المسرح، شاهدوا في ممرات المسرح ملابس الأوبرا الجميلة والملابس التي كانت ترتديها الفتاة في حفل الزفاف في العصر القديم وملابس الموظفين الرسميين في العصر القديم. وتمتع المشاهدون بتلك الميزة التي تمكنهم من مشاهدة هذه الملابس عن قرب والاستماع إلى شرح حول خصائص الملابس المختلفة والشخصيات التي ترتديها. في منطقة عرض خيال الظل بجوار منطقة عرض الملابس، توجد دمى الظل المتنوعة، وقام الممثلون بتقديم عرض لخيال الظل للمشاهدين وتعريفهم بـ"أسرار" فن خيال الظل. كما زاروا مكان تصنيع دمى الظل ليشاهدوا بأنفسهم خطوات العمل المتقن لوارثي الحرف اليدوية. خلال التجربة الغامرة من العرض، قدم الفنانون عرض بوق سونا لفرقة عائلة تشو وجزءا من أوبرا بكين ((سانتشاكو)) في منطقة المشاهدين بدلا من خشبة المسرح. ما يميز هذا الأسلوب من العرض عن العرض الرسمي هو قدرة الفنانين على الرد عن أسئلة المشاهدين مباشرة، مما وفر للجماهير دورة دراسية فنية مفتوحة.

فيما يتعلق بأفكار تخطيط الأوبرا الكامل، قالت هاو منغ: "علينا الاهتمام باتجاه توارث وتطوير الثقافة وارتباط الثقافة بأساليب التعبير المبتكرة والأساليب التكنولوجية، كما ينبغي لنا الاهتمام بشعور وآراء المشاهدين في مشاركة العرض وتجربته وتحسين قدرة الممثلين على التفاعل مع المشاهدين على خشبة المسرح، واستخدام جميع الأساليب لجذب الانتباه من أجل جعل المشاهدين يزدادون معرفة واطلاعا على سحر الثقافة التقليدية، مما يساهم في تغيير أفكارهم وزيادة ثقتهم بالثقافة وقناعاتهم باحترام وحماية التراث الثقافي غير المادي."

قالت هاو منغ لأحد الصحفيين إن أوبرا ((جوسق الفاوانيا: حلم مشرق في الحديقة)) قد جذبت اهتماما واسعا من جميع قطاعات المجتمع، كذلك، شارك العديد من الفنانين المشهورين في هذه الأوبرا. إن جمع الفنانين والمصممين المشهورين لإكمال العرض العالي المستوى في العالم، هو شرط لتطوير مسرح "الحزام والطريق" لأوبرا كونتشيوي وترويجها خارج الصين وسرد القصة الصينية بشكل جيد. ستقود هاو منغ فريقها لتحسين أوبرا ((جوسق الفاوانيا: حلم مشرق في الحديقة)) من أجل الاستعداد للعروض المسرحية الخارجية.

دعم نهوض أوبرا كونتشيوي

حاليا، يضم مسرح "الحزام والطريق" لأوبرا كونتشيوي أكثر من عشرين شخصا في منتصف العمر وشباب من جيل الثمانينات، ويتلقى معظمهم تدريبات متخصصة حول أوبرا كونتشيوي. قالت هاو منغ: "الأشخاص الذين يعلّمون الأوبرا كلهم يعملون بجد واجتهاد ولديهم وعي وروح التعاون القوية. عندما بدأنا ممارسة الأوبرا، كان مدربنا يؤكد دائما على روح "الشمول"، أي التأكيد على التعاون المتبادل في تقديم العروض على المسرح، هكذا أصبح لفريقنا قدرة تنفيذ قوية، كما أن هذه الروح تمثل قيمة عالية جدا لفريق الشباب." عندما ذكرت هاو منغ أصحابها، قالت بفخر: "وضعنا خطة طويلة المدى وكان في داخلنا إصرار على تطوير أوبرا كونتشيوي."

هاو منغ محظوظة، إذ جمع مسرح "الحزام والطريق" لأوبرا كونتشيوي معلومات كافية عن الأوبرا، منها ما يضم أكثر من أربعمائة مجلد من نسخة كاملة محفوظة في متحف القصر الإمبراطوري، وتسعى إحدى أفضل الجامعات في البحث في فنون الأوبرا إلى الحصول على جزء منها، وهي كتاب تاريخي عن تسجيل عروض الأوبرا في قصر أسرة تشينغ. مدون فيه ملابس وأزياء الأوبرا والملحقات والأدوات الخاصة بالأوبرا والأسطوانات القديمة، بالإضافة إلى ذلك، يضم 11498 مخطوطة. تسجل هذه المخطوطات العروض التي قدمت في مجتمع وقصر أسرة تشينغ، لذلك، لها قيمة تاريخية وأدبية كبيرة وتعتبر إنجازا فنيا عظيما أيضا.

سيقوم مسرح "الحزام والطريق" لأوبرا كونتشيوي، مع خبراء من جامعة بكين وجميع قطاعات المجتمع بترتيب أجزاء من المعلومات، والقيام بتكييف النصوص وتقديمها في عرض للأوبرا. قالت هاو منغ: "علينا إنجاز كثير من الأعمال مثل تحويل الكتابة بالأسلوب الصيني الكلاسيكي إلى الكتابة باللغة الصينية الحديثة وتكييف الحبكة بموجب ظروف وأحوال العصر الحديث وغيرها." يتأثر كثير من الخبراء بأفكارها ويعبرون عن رغبتهم في المشاركة في المساهمات اللازمة لوراثة وتطوير أوبرا كونتشيوي.

قالت هاو منغ، إن مسرح "الحزام والطريق" لأوبرا كونتشيوي، سيستخدم منصة الوسائط الإعلامية الجديدة مع ربطها بالرسوم المتحركة في الأوبرا وألعاب الهاتف النقال حول الأوبرا وأفلام الأوبرا وصناعات الأوبرا الثقافية والإبداعية، من أجل تحقيق انتشار الأوبرا بشكل شامل.

قالت يانغ فنغ يي، وهي ممثلة من الدرجة الأولى للأوبرا في البلاد: "في عملية تعزيز أوبرا كونتشيوي في الخارج، لا بد لنا من الحفاظ على التقاليد مع أخذ آراء وأذواق المشاهدين من مختلف الدول في الاعتبار. التوارث أساس تطوير أوبرا كونتشيوي، بينما التنمية هي اتجاهها. علينا أن نتمسك بموقف الثقافة الصينية وعدم الميل إلى الثقافات الأخرى كثيرا. من الخطأ أن نستخف بالوعي الجمالي للمشاهدين الأجانب، في الحقيقة، الناس من مختلف البلدان لديهم فهم مشترك لجمال الفن." تتفق هاو منغ مع رأي يانغ فنغ يي، كما تشاطرها رأيها بعدم موافقتها على تغيير نوع من الأوبرا الأجنبية وتقديمها بأسلوب أوبرا كونتشيوي، والعكس أيضا، وذلك للحفاظ على خصوصية وأصل وثقافة أوبرا كونتشيوي. قالت: "نهوض أوبرا كونتشيوي يحتاج إلى أفكار مبتكرة، لكن، الابتكار لا يعني تدمير التقاليد."

عام 2018 هو السنة الأولى لتطوير ونشر مسرح "الحزام والطريق" لأوبرا كونتشيوي إلى الخارج. باقتراح من عدد من الدبلوماسيين، سوف يسافر مسرح "الحزام والطريق" لأوبرا كونتشيوي إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها لتقديم العروض وتعريف المشاهدين العالميين بأوبرا كونتشيوي الأصلية، مما يجعل الثقافة الصينية تندمج في الثقافة العالمية.

قالت هاو منغ: "كل إنسان مرتبط بالحلم الصيني، وكل فرد يجد طريق حلمه بنفسه. نحن نشعر بسعادة لأننا نملك فرصا لتحقيق أحلامنا وتحقيق ما نريد القيام به".