الملاليم ليست لمعلمي الشعب
ذات مرة دعاني لزيارته في قرية كوتشوك- كوى، حيث كانت لديه قطعة أرض صغيرة، ومنزل أبيض من طابقين، وهناك عرض عليَّ قريته وهو يتحدث بحيوية: لو كان لدي نقود كثيرة لأقمت هنا مصحاً للمدرسين الريفيين المرضى، أتدري، ولكنتُ شيدت مبنى مضيئاً، مضيئاً جداً، بنوافذ كبيرة وأسقف عالية، ولكنت زودته بمكتبةٍ رائعة، وبمختلف الآلات الموسيقية، وبمنحلٍ ومزرعة خضروات وبستان فواكه، ولكان من الممكن تنظيم محاضرات في الزراعة والأرصاد، فالمدرس - يا عزيزي- بحاجة إلى معرفة كل شيء، نعم كل شيء!
وفجأة صمت، وسعل، ونظر إليَّ نظرة جانبية وابتسم ابتسامته الناعمة الرقيقة، والتي كانت تجذب دائماً إليه بلا فكاك، وتثير اهتماماً حاداً خاصاً بما يقول.
- هل مللت من سماع تخيلاتي؟ أما أنا، فأحب الحديث في هذا، لو تعلم مدى حاجة الريف أن نحيطه بظروفٍ خاصة، ويجب أن نفعل ذلك بأسرع ما يمكن إن كنا ندرك أنه دون شعبٍ مثقف ثقافة واسعة ستنهار الدولة كالبيت المشيد من طوب لم يُحرق جيداً! فالمدرس ينبغي أن يكون فناناً، ومصوراً، متيماً بعمله.
أما عندنا فهو عامل يدوي، شخص قليل الثقافة، يمضي إلى تعليم الأولاد بالرغبة نفسها التي قد يمضي بها إلى المنفى. إنه جائع، مقهور، خائف من أن يفقد كسرة الخبز.
ينبغي أن يرى فيه الفلاحون قوة جديرة بالاهتمام والاحترام، وحتى لا يجرؤ أحد على الصياح فيه، على إذلال كرامته، كما يفعل الجميع لدينا: الشرطي، والبائع الغني، والقس، ومدير الناحية، وذلك الموظف المسمَّى بمفتش المدرسة.
إنه من الحماقة أن تدفع ملاليم لرجلٍ مدعو لتربية شعب... أتفهم؟
مكسيم غوركي عن أنطون تشيخوف