عالم افتراضي ودراما ... «وهمية»
في زمن أصبحت ممثلة ما تبخس رأي ناقد كبير من أهل الاختصاص، لأن لديها «فانزات»، أي معجبين، من الضروري إلقاء نظرة عن كثب إلى هذه المعادلة البائسة. يدفع تطور الإعلام الرقمي، بخاصة طغيان شبكات التواصل الاجتماعي، إلى تحولات جذرية في العلاقة بين التلفزيون وأهله من جهة والمتلقي من جهة أخرى، إذ يتحول تدريجياً إلى متصفح أكثر منه مشاهد.
ويشير تقرير عرض التلفزيون البريطاني، إلى أن أعداد مشاهدي البرامج التلفزيونية عبر الـ «سوشيال ميديا»، سيرتفع إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2027. بوجود أكثر من 160 مليون مستخدم عربي للإنترنت، يقضون ما يعادل 20 إلى 30 في المئة من أوقاتهم فيها، يحتل هذا الوسيط الإلكتروني مركز «القوة» الجديدة في الانتشار وإيصال الرسالة، ولكن على طريقته الخاصة. يقول الدكتور معتصم بابكر في كتابه «أيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام»، إن «الهيمنة لا تمارس فقط بواسطة محتوى الرسائل، وإنما بواسطة التقنية التي تحملها وتبثها، وترتب أشكال فرضها وتلقيها»، موضحاً أن الوسيط الناقل له التأثيرَ الأهم في «بناء الفكرة».
وفي قياس لهذه «الفكرة» على أهل الدراما التلفزيونية مثلاً، بين الواقع والعالم الافتراضي، تبرز أن الوسيط الجديد يساهم في بناء معادلات جديدة، جلّها سراب استناداً إلى معيار «الفن».
تبدأ مساوئ هذه الوسائط الناقلة بداية بخضوعها لعامل البيع والشراء عبر الشبكة ذاتها أو عبر شركات متخصصة، ما يجعل انتشار «الفنان» من عدمه، غير قائم على نتاجه التمثيلي، إذ أصبح الممثل الجيد أو «شبه الممثل» يتجه إليها لأسباب لا تحصى، من أبـــرزها البقاء في دائرة الضوء بغض النظر عن المضمون أو الإنتاج الفني، والأهم الحــصول على «الاعتراف» بالمرتبة من قبل البعض، بخاصةٍ أن شبكات التواصل الاجتماعي أوجدت معايير تقـــويم جــديدة يحتاجها فريق من «أهل الفن»، لا ترتبط بمعـــظمها في الجـوهر الفني بحــد ذاته، بل بالجــماهــيرية والانــتـــشار وبالتالي الشهرة.
من الأمثلة على انعدام الموازين في هذا الجانب، جرأة حسابات قائمة على شخصيات افتراضية، بدأت بالسخرية والتهكم على هيئة وملابس الممثلين بعيداً من أي معيار نقدي فني أو أكاديمي، على اختيار أفضل ممثل وممثلة في العام الحالي، بعدما نسجت شبكة علاقات منفعة متبادلة مع محتاجيها من «أهل الفن» الذين يتحملون مسؤولية كبرى في ترويج المعيار النفعي مقابل المعيار الفني. الحصول على التصفيق الدائم خشية النقد، يحرمهم لذة التصفيق الصادق عند الإبداع.
وتفرض شبكات التواصل الاجتماعي، تغيرات في معادلة المصدر والخبر والوسيط والمتلقي، إذ أصبح للفنان منصته الخاصة والمتعددة الوسائط عبر حساباته في «فايسبوك» و«تويتر» و«انستغرام» وغيرها.
هذه التحولات وصفها خبير الاتصالات والمـــعــلوماتــية الدكتور عماد حب الله بـ«اضطرابات في صناعة الإعلام». كان الممـــثلون والفنانون قبل الـ «سوشيل ميديا» ينتظرون نوعاً ما القنوات التلفـــزيونية أو الصحف وحتى المواقع الإلكترونية، كي تطلب منهم مقابلة حصرية أو تصريح مثلاً، أو حتى أنهم كــانوا هم من يدفع بأخباره إليهم لنشرها.
أمّا اليوم، فباتوا أقل حاجةٍ إليها، إذ يكفي الفنّان أن يغرّد أو ينشر صورةً أو تدوينة حتى تصبح هي الخبر الذي يتلقفه الإعلام محافظاً على معايير النشر القديمة لكن «بروح إلكترونية»، إذ أصبحت «نجومية» الخبر تقاس أيضاً بقوة النجم على شبكات التواصل الاجتماعي، فكلما كان عدد متابعيه أكبر، جذب الإعلام إليه أكثر، من دون إغفال أن هذه الوسائط أتاحت للمتلقي الحصول على الخبر مباشرة بلا وساطة الإعلام، علماً أن بعض الفنانين يتمتع بقاعدة جمهور على الشبكات الاجتماعية أكبر من الوسيلة الإعلامية نفسها.
وتمتد هذه التحولات إلى أبعاد أخرى في عالم الإعلام من جهات عدّة. في العنوان الصحافي مثلاً، أصبحت عبارة «صورة أو فيديو فلانة أو فلان تشعل مواقع التوصل الاجتماعي» أمراً يومياً، إضافة إلى إنشاء برامج تلفزيونية أو صفحات في الصحف والمواقع الإلكترونية تختص بنقل ما يجري في الفضاء الافتراضي، إلى درجة يمكننا فيها الحديث عن نشوء «الخبر الإلكتروني» لا فقط بالمفهوم تحريرياً، ولكن أيضاً من ناحية المصدر والبنية والمضمون والنشر وإعادة النشر.
إلى هذه النقطة لا ضرر من حيث تمكين كل امرئ من منبره الخاص، إلّا أن المساوئ سرعان ما تطغى، بتحول الصفحات القائمة على شخصيات وهمية، وصفحات تحت مسمى «فنية»، إلى مصدر أساسي لوسائل الإعلام التقليدي والجديد، على رغم عدم دقتها، وخضوعها لحسابات شخصية، ومدفوعة الأجر في كثير من الأحيان.
من الأمثلة الفاقعة أخيراً، تخدع فتاة إيرانية معظم الإعلام العربي بخضوعها لعمليات تجميلية للتشبه بالممثلة الأميركية أنجلينا جولي، قبل أن تعلن خدعتها بعد أيام «علك» خلالها الإعلام الخبر. وأيضاً، بعض صفحات الدراما تعلن عن إنتاج أو عدم إنتاج أجزاء جديدة من مسلسل «وردة شامية» نقلاً عن الشركة المنتجة «غولدن لاين» التي لا علم لها ولا خبر، والإعلام ينقل الخبر. الصفحات نفسها تروج لعارضات أزياء بمسمى «فنانات صاعدات»، فينلن فرصاً في عدد من الإعلام بناء على شهرة فارغة فعلياً. «المؤثرون في الـ «سوشيال ميديا» ظاهرة تنتشر عالمياً وهي أمر تلقائي بفعل التطور الحاصل، ولكن هل من الطبيعي أن يتخلى الإعلام عن دوره في التثبت من المصدر، والاعتماد على الاختصاص، والانجرار وراء «الوهم»؟
عن «الحياة»