حرب بزيقوه
"يقال إن قرية سكانها من الشابسوغ كانت تجاور قرية أخرى سكانها من الأبزاخ. قرر الشابسوغ أن يختبر جاره الأبزاخ فذهب إليه واستعار منه قدراً. وبعد أن استعمل القدر وضع في داخله قدراً صغيراً وأعاده إلى جاره من الأبزاخ وشكره على حسن صنيعه. فقال الرجل: يا جاري العزيز لماذا أرفقت بقدري قدراً صغيراً؟ فأجابه الشابسوغ: أنا لا أحتفظ بمال غيري! لقد تبيّن أن قِدركم كان حاملاً فولد هذا القِدر الصغير، فهو لك. سُرّ الأبزاخي وأخذ القدرين معاً وبعد عدّة أيام ذهب الشابسوغ واستعار نفس القدر. واستطال بقاء القدر عند الشابسوغ فجاء يطلبه قائلاً: لماذا لم تعيد القدر يا جاري العزيز؟
- يا جاري العزيز لا أجرؤ على البوح بما حصل، لقد مات قِدركم أثناء المخاض.
- وكيف هذا؟ وهل يموت القدر؟!
- ولماذا الاستغراب يا جاري العزيز من وفاة القدر! إن الذي يلد لا بد له من أن يموت."
إنّ واحداً من مميزات الأدب الشعبي هو أنّه يحفظ لنا سجلاً غير رسمي، ولكنّه فاعل، عن تقاليد وأعراف أسلافنا التي فرضتها عليهم ظروفهم الاجتماعية-الاقتصادية، ويعدّ مصدراً للاطلاع على ثقافات الشعوب والمجموعات في مراحل التاريخ المختلفة. إنّ هذا الأدب الذي تمّ تناقله تارة في الأغاني وتارة أخرى على لسان العجائز، يحتاج منّا أن ندونه ونحفظه كي تتمكن الأجيال القادمة، كما تمكنّا نحن، من معرفته.
تأتي رواية "حرب بزيقوه" الملحميّة الشركسيّة ضمن هذه الفئة من الأدب، وتحكي قصصاً من قرى الشركس الواقعة حالياً في جمهورية أديغا التابعة لروسيا الاتحادية. ولهذه الملحمة أبطال عديدون، ولكنّها مثل أيّ ملحمة شعبية أخرى، يكون أبطالها الأهم ممّن يواجهون ظلم وحيف الإقطاع الجشعين ببأس ورجولة.
يُذكر بأنّ كاتب هذه الرواية هو إسحاق مشباش، ونقلها إلى العربية محمد خير خواج. وتنتهي الرواية بحبكة تؤدي إلى جزء ثانٍ، ولكن ليس لهذا الجزء الثاني ترجمة عربية أو إنكليزية.
وهذا مقطع آخر من الرواية:
"... إذاً فهذي الطواقي الملونة هي ألبسة أهل العار. وحين يكون القوم في حرب والعدو قادم فإن من يتخاذل ويجبن منهم يلبسونه مثل تلك الطاقية الملونة. وعلى أهل الجبان وذويه عدم الحضور إلى الاجتماعات والدخول بين الناس. أمّا والداه وأشقاؤه، وجميع أقربائه فإنهم يبقون منبوذين من قبل المجتمع حتى يقوم ذلك الجبان بعمل بطولي. حينئذ يخلع طاقية العار ويعاد له اعتباره، هو وأهله.
- وإذا لم تقع حروب؟
- إذا لم تقع حروب فإنهم يجلبون في مثل هذا اليوم إلى مكان الاختبار وقد البسوا طواقي العار. وهؤلاء قد ألبسوا الطواقي في العام الماضي.
- في العام الماضي أغار علينا التتار الرحّل ليلاً فبدئوا يخربون البيوت ويسبون الأطفال والنساء. وفي تلك المواقف العصيبة هرب هؤلاء الثلاثة والتجأوا إلى الغابة. وبعد أن هرب التتار خرج هؤلاء من مخبئهم. لكنّ الناس لم يسكتوا على جبنهم ...
... وتكلم كبير القوم وقال: اليوم هو يوم الذين يتأذون من ثقل العار. وأمامهم فرصة. فإذا صعدوا إلى تلك الصخرة وقفزوا منها فإن الواحد منهم سيخلع طاقية العار. أنا أبلغهم أمام الخلق والخالق بأنّ هذه الخيول قد جرّبت هذه الصخرة وهذا الوادي. ولذلك لا تخشوا فقد قيل: "إذا جبن الفارس تلكأ الفرس"، والجواد أيضاً له روح ويخاف لذلك حذار من الخوف. فإما أن تعودوا لتعيشوا وإما أن تموتوا. وفي الموت رجولة. فمن يتقدم منكم أولاً.
تقدم أصغرهم سنّاً وهو يعضّ شفتيه وامتطى الحصان وانطلق كالسهم وبقي فترة يطرد جواده بحميّة ثم اتجه نحو الصخرة، وبقفزة واحدة كان فوقها ومنها قفز ليجتاز الوادي. ورأى الناس طاقيّة العار قد طارت في الهواء مع الفارس الذي طار في الهواء واجتاز الوادي...
... كان أكبرهم سنّاً جالساً وعلى رأسه الطاقية الملونة. وامتطى الحصان وبدأ يركض هنا وهناك وكأنه استعاد اعتباره، ثم اتجه بجواده نحو الصخرة. وحينما قفز الجواد على الصخرة ترك اللجام وقفز عنه وارتمى على الأرض.
وأمّا الحصان فقد قفز واجتاز الوادي وهو يصهل. وقد ارتفع الضجيج وأصوات الاستنكار من الموجودين. ثم خرج من عند الشيوخ فارس يسوق حماراً فهدأ القوم.
تقدم كبير القوم نحو الرجل الذي قفز عن الحصان ولا يزال يلبس طاقية العار. قال له: إنك جبان وتفتقر للرجولة. اركب هذا الحمار واتجه حيث تريد إلى إحدى الجهات الأربع. واختر لك مكاناً تعيش فيه. وبعد أن تستقر وترى أنك تستطيع أن تعيل أسرتك فلا مانع أن تأخذهم عندك. هذا هو حكم الشيوخ عليك ..."