ربط القدم
استُخدم ربط القدم من أجل تمييز الفتيات من الطبقات العليا عن الأخريات، ولاحقاً استخدمتها الطبقات الدنيا من أجل «تحسين إطلالتها الاجتماعية».
مارك كارترايت مارك كارترايت

ربط القدم

تعود ممارسات (ربط القدم Foot-binding) التي تجرى للفتيات الصغيرات إلى سلالة تانغ الصينيّة، من أجل تقييد نموّ أقدامهن الطبيعي وجعلها صغيرة بقدر الإمكان. ورغم اعتبار نتائجها جذابة، فقد كانت آثار هذه العملية مؤلمة ودائمة. وقد استُخدمت على نطاق واسع من أجل تمييز الفتيات من الطبقات العليا عن الفتيات الأخريات، ولاحقاً كطريقة تستخدمها الطبقات الدنيا من أجل «تحسين إطلالتهم الاجتماعية». استمرّت ممارسة ربط القدم حتّى أوائل القرن العشرين.

تعريب: هاجر تمام

الممارسة:
تمّ ربط أقدام الفتيات الصينيات بشكل نموذجي من سنّ الخامسة إلى الثامنة. تبدأ العملية عن طريق اختيار أحد الأيام في لجعله يوم السعد في التقويم. تقام بعدها الصلوات وتقدّم الأضاحي لإلهة الأقدام الصغيرة العذراء. وكان هناك متلقٍ آخر للصلوات هو شخصيّة غوانين البوذية، وهو (البوديساتفا*) أو المتنوّر الذي يحمي النساء عموماً. عندما يجهز كلّ شيء، تقوم بالمهمة امرأة مسنّة من العائلة أو أحد المحترفين في ربط القدم. كان الإصبع الكبير يُترك منتصباً للأمام، بينما تطوى الأصابع الباقية تحت القدم. يتم في سبيل القيام بذلك استخدام شرائط طويلة من القماش لإحكام ربط القدم، والتي تمنع نموّها في المستقبل وتعطيها شكل قوس واضح. يتم فك رباط القدم بعد شهر واحد ليعالجوا أيّ تقرّح جلدي، ثمّ يعاد ربطها من جديد، وتعاد هذه الكرّة مراراً حتّى تصل الفتاة إلى سنّ المراهقة المبكرة (أو إلى فترة أطول حتّى بحسب التأثير المطلوب). لم يكن أمراً غير اعتيادي أن تفقد أصبع أو اثنين من أصابع القدم، أو تصيب القدم عدوى أو غرغرينا. وتستمرّ المرأة بربط قدمها المشوّهة حتّى عندما تصبح بالغة، وترتديهم في جميع الأوقات أمام العامّة وعند الاستحمام.
وكان الهدف من هذه العملية الطويلة والمؤلمة أن لا يتعدّى طول القدم 7.5 إلى 10 سم، والتي كانت تعرف باسم (جينليان Jinlian) أو «اللوتس الذهبي» أو قدم «اللوتس» تبعاً لرمز الحياة الرئيسيّ في البوذيّة. كلّما كانت القدمين أصغر كلّما كانت أكثر جاذبيّة وأكثر إثارة بالنسبة للبعض، هي علامة مميزة على الأناقة. وينطبق ذات الشيء على أسلوب مشي المرأة التي يضطرّها ربط قدمها إلى تبنيه: الخطوات الصغيرة والخفيفة. فمع وجود الخدم الذين يقومون بمعظم المهام، كان تنقّل السيّدة محدوداً حتّى في الظروف العادية. لكن مع أقدام مربوطة، فيمكننا تخيّل المشي وهو يتم بصعوبة كبيرة. وقد احتاجت الأقدام الصغيرة إلى أحذية ناعمة، وكانت تُصنع من الحرير والقطن وتطرز بشكل أنيق عادة. وقد وجدت هذه الأحذية الوفيرة مدفونة في مقابر نساء الطبقة العليا الصينية.

الأصول والانتشار التاريخي:
قد تعود ممارسات ربط القدم إلى الراقصة ياونيانغ، التي كانت تؤدي في بلاط أسرة تانغ، أو ربّما عموماً إلى الراقصات الأتراك اللواتي أدين رقصاتهن خلال القرن العاشر ميلادي. عُرفت هؤلاء الراقصات بأقدامهن الصغيرة وبأحذيتهن المقوسة التي ترفع أصابع القدم للأعلى. يعود أول سجل تاريخي لهذا الأمر إلى بلاط تانغ في نانكينغ بين 937 و975 للميلاد.
بكل تأكيد، ارتبط تقييد القدمين لتقليل حجمهما لفترة طويلة بالنساء اللواتي يكسبن أموالهن من الترفيه عن الرجال بطريقة أو بأخرى. ولكن قد يكون هناك سبب آخر لشعبيّة هذه الممارسة هو محاولة التمييز الواضحة بين نساء الطبقة العليا الصينيّة، نساء أسرة هان بشكل خاص، وبين نساء الطبقات الأدنى ونساء المقاطعات والنساء المنتميات إلى ثقافات الأراضي المكتسبة حديثاً. بالمقابل، أراد الناس في المقاطعات والمناطق المتطرفة الصينية أن ينسخوا الممارسات «الحضارية» في الصين الإمبراطوريّة. أخيراً: بات الذكور الشباب من الأرستقراطيين في حقبة تانغ أكثر انتباهاً واهتماماً لمظهرهم، بحيث قد يكون ربط القدم محاولة زائدة للتمييز بين الجنسين.
أصبحت هذه الممارسة واسعة الانتشار بين الطبقات العليا خلال عهد أسرة سونغ (960-1279م)، وخاصّة في وسط وجنوبي الصين. وفي وقت لاحق باتت الفتيات من جميع الطبقات يقمن بربط القدم. عنت الطبيعة واسعة الانتشار لهذه الممارسة لدى الأرستقراطيين، بأنّ الأهل نفذوا ربط القدم على بناتهم لمنحهن فرصة أكبر في الانتقال الطبقي. في نهاية المطاف، أصبح وجود هذه السمة أمراً يهتم الأهل لوجوده عند الخطبة لولدهم. في نهاية المطاف، ورغم أنّ أصل القدم الصغيرة يعود إلى الراقصات والمحظيات، فقد تحوّلت لتصبح رمزاً للأناقة والأهم للفضيلة الأخلاقية والتواضع. وعليه فقد بات هناك ضغط اجتماعي على الأسر من أجل ربط أقدام بناتها خوفاً من عدم العثور على أزواجٍ مناسبين لهن. وكان هناك اختبار إضافي لمدى ملاءمة الفتاة هو ملاءمة أحذيتها لأقدام شقيقات زوجها المستقبلي المربوطات كذلك.
يتجلّى شيوع هذه الممارسة في حقيقة أنّ الكتاب الصينيين من القرن الثاني عشر إلى الرابع عشر كانوا يعتبرون الأمر مألوفاً لدى قرائهم. حتّى أنّ هناك بعض الأمثال التي صيغت حول الأمر مثل: «إن كنت تحب أولادك، فلا تبالي بمعاناة ابنك من دروسه ولا بألم ابنتك من قدمها».
لم يكن لهذه الممارسة تأثير كبير على النساء العاملات في أعمال منزلية تقليدية مثل الغزل والنسيج والخياطة والتطريز، وهي الأعمال التي لا تتطلب تنقلاً كثيراً. أمّا في المناطق التي تنخرط فيها النساء بالعمل الزراعي مثل زراعة الأرز والنخيل، فقد كانت ممارسات ربط القدم أقلّ شيوعاً.
لفتت هذه الممارسة نظر بعض الزوّار الأجانب، وأحدهم هو فريار أودوريك من بوردينون، الذي زار الصين بين 1322 و1328م. كتب ملاحظته التالية عنها: «ومن جمال المرأة العظيم أن تملك قدماً صغيرة. ولهذا السبب كانت الأمهات معتادات على ربط بنات أقدامهن بمجرّد ولادتهن تنمو أقلّ ما يمكن».
أظهرت دراسة أجريت عام 1929 على قرية كنموذج (تينغسين Tinghsien)، تضم أكثر من 500 أسرة، بأنّ الممارسة هي شبه عامّة بين النساء اللواتي جاوزن الأربعين من العمر، ولكنّها تقل إلى النصف عند أخذ كامل النساء من جميع الأعمار في الاعتبار.

المقاومة والانتقادات:
تبعاً لكونها ممارسة مؤلمة وتترك النساء يعانين من مشاكل دائمة في الحركة، وهو ما يحدّ أيضاً بشكل جدي من أيّ دور أوسع يمكن لهنّ أن يأخذنه في المجتمع، فلم يخلو الأمر من المنتقدين لها. كان الشاعر يوان مي من كينغ (1716 – 1797) أحد الشخصيات البارزة التي انتقدت ربط القدم بشكل علني، وكان روّاد العلم الكونفوشيوسيون أيضاً غير مرتاحين لهذا الأمر ويعتبرونه مجرّد تقليد لنساء الترفيه وهدفه الوحيد جعل المرأة أكثر جاذبية. وقد حاول الإمبراطور تشون تشي، أحد أبناء أسرة مانتشو الذين لم يمارسوا ربط القدم في بلاطهم على الإطلاق، فرض حظر عليه عام 1645م ولكنّه فشل في ذلك. حاول الإمبراطور كأنغ سي مرّة أخرى عام 1662، ولكنّه سحب الحظر عام 1668 بعد أن أدرك بأنّه يخوض معركة خاسرة ضدّ الأهل. وقد خرجت عدّة حركات مناهضة لهذه الممارسة في القرن الثامن عشر، ولكنّ ربط القدم بقي، رغم الألم والعواقب، ممارسة شائعة في الصين حتّى أوائل القرن العشرين.

*البوديساتفا Bodhisattva: هو شخص لديه تعاطف كبير: حيث بإمكانه الوصول إلى النيرفانا ولكنّه فضّل البقاء لوقت أطول من أجل إنقاذ الكائنات التي تعاني – المترجم.