القشعريرة والموسيقى والارتباط الدماغي
يقدّر البشر الجمال بشكل فريد من نوعه، ويختبرون ردود فعل ممتعة على المحفزات المتداخلة التي لا قيمة جوهريّة واضحة لها في البقاء على قيد الحياة. بأيّ حال، هناك تباين كبير في تواتر وخصوصيّة ردود الفعل الجماليّة. ففي حين أنّ الاستمتاع بالجماليات ينسب عادة إلى الدوائر العصبية المتعلقة بالثواب، يبقى ما يمثل الفروق بين الأفراد بخصوص الاستجابة للثواب "reward sensitivity" غير واضح. لقد وجدنا، باستخدام مزيج من البيانات المسحيّة والتدابير السلوكيّة والنفسيّة-الفيزيولوجية وتصوير انتشار الموتّر "diffusion tensor"، بأنّ ترابط المادّة البيضاء بين مناطق المعالجة الحسيّة في التلفيف الصدغي العلوي وبين مناطق المعالجة العاطفية والاجتماعية في فصّ الجزيرة "Insula" وقشرة الفصّ الجبهي الأنسي، يشرح الفروق بين الأفراد بخصوص استجابة الثواب لديهم للموسيقى. توفّر نتائجنا أوّل دليل مبنيّ على أساس عصبي للفروق الفرديّة في الوصول الحسي لنظام الثواب. وتشير إلى أنّ التواصل الاجتماعي العاطفي من خلال القناة السمعية قد يوفر أساساً تطورياً في جعل الموسيقى تحمل وظيفة إثابة جماليّة في البشر.
تعريب وإعداد: عروة درويش
من مقدمة البحث:
يختبر البشر بشكل روتيني متعة في الاستجابة لمحفزات النظام الأعلى التي لا تمنح أيّ ميزة تطورية واضحة. فالاستجابات الجمالية تنشّط، من خلال الانخراط والسعي إلى الفنون، شبكة الثواب نفسها في الدماغ التي تستجيب للمتعة الأساسيّة والحسيّة المرتبطة بالأغذية والجنس والمخدرات عبر مسارات الدوبامين. ينشط نظام الثواب أيضاً في الممارسات الاجتماعية، بما في ذلك التعاون والإفصاح. ويشارك الحكم الجمالي أيضاً ارتباطه العصبي في نظام الثواب مع اتخاذ القرارات الأخلاقية. يقدّم هذا التداخل بين الثواب الجمالي والاجتماعي الفرضيّة بأنّ المتعة العليا قد تنشأ بسبب الفوائد الاجتماعية المرتبطة بها. يحاج البعض بأنّ المتع العليا هي سمات تطوريّة مختارة "exaptation"، تنشئ عن تطويع محفّز لدوائر الدماغ المشاركة في التفاعل العاطفي والاستجابة والتقييم. لا تزال في الوقت الحالي العلاقة العصبيّة بين التجارب الحسيّة والاستجابات الجمالية الممتعة غير واضحة. تقدّم الموسيقى حافزاً مثالياً لدراسة المتعة والثواب، حيث أنّها ثابتة لدى جميع الحضارات عبر التاريخ ولطالما استطلعت بأنّها أكثر تجربة بشرية ممتعة. يميل الأفراد لاختبار مجموعة معقدة من الأحاسيس العقليّة والجسديّة أثناء استماعهم للموسيقى، مثل الشعور بكتلة في الحلق، أو الشعور بوخز خفيف في فروة الرأس والظهر، والمصحوب عادة بالقشعريرة. لقد ربطت البحوث السابقة مثل هذه الأحاسيس بالتصنيف السلوكي للمتعة الذاتية وبالتغيرات في المقاييس النفسيّة-الفيزيولوجية في معدل ضربات القلب وتفاعلات الجلد وبالنشاط العصبي ومناطق معالجة الثواب في الدماغ، وخصوصاً نواة أكومبنس "Nucleus accumbens" وفصّ الجزيرة الأمامي والقشرة الجبهية الأمامية.
رغم وجود هذه النظم العاطفية والمكافأة لدى جميع البشر، فلا يستجيب الجميع بشكل عاطفي شديد للموسيقى، وتختلف الدراسات السابقة في تحديد معدلات لحدوث هذه التفاعلات. إنّ جميع الفروق الفردية في القدرة والألفة والمشاركة الموسيقيّة، وكذلك تدابير السمات الشخصيّة الخمسة الكبرى من الانفتاح على اختبار الموسيقى، ترتبط ببعضها ولكنّها غير قادرة على التنبؤ بشكل دقيق باختبار الفرد لمثل هذه التفاعلات مع المحفزات الجماليّة. وتصل الاختلافات الفردية حدّ أنّ بعض الأفراد قد أفادوا بأنّهم غير قادرين على تجربة المتعة من الموسيقى رغم استجاباتهم العادية لإثابات أخرى (الإثابة النقدية على سبيل المثال). ويرتبط تقييم الموسيقى بزيادة الارتباط الوظيفي في الدماغ بين القشرة السمعية وبين مجموعة دوائر الثواب الهامشيّة الوسطى "mesolimbic reward circuitry". لكن سبب إثارة هذه الدوائر لردود ممتعة للغاية لدى بعض الأفراد وليس في غيرهم هو أمر غير معروف. إنّ فهم الأساس العصبي للفروق الفردية بين المستجيبين العاطفيين وغير العاطفيين قد يساعد في تحديد المسارات العصبية التي تعطي للمحفزات الحسيّة قيمتها لتصبح ثواب.
نطاق اختبار الجماليّة في الموسيقى:
أظهرت الاستجابات في المسح بأنّ الناس المستعدين لاختبار والحصول على المزيد من التدريب الموسيقي هم أكثر عرضة لاختبار ردود فعل عاطفيّة قويّة. هذه الارتباطات الإيجابيّة بين الاستجابات العاطفيّة القويّة والانفتاح على الخبرة، وبين الاستجابات العاطفية القويّة وعدد سنوات التدريب الموسيقي، تتفق مع التقارير السابقة.
ويظهر تحليل "MDS" على البيانات فرقاً بين مجموعتين من المدركات العاطفيّة الشديدة: واحدة تختبر استجابات عاطفية غريزيّة (مثال: زيادة ضربات القلب وانقباض في المعدة)، وأخرى تختبر استجابات عاطفية إدراكيّة أكثر (مثال: الشعور بالمهابة وفقدان الشعور بالوقت).
وتظهر استجابة "القشعريرة" في مركز حلّ "MDS"، لتشير بأنّ القشعريرة أمرٌ شائع لكلا المستجيبين غريزياً وإدراكياً. ولفهم التباين في الاستجابات العاطفية القويّة للموسيقى، فقد أسفر الأداء على مقياس "AES-M" عن عنصرين هامين. إنّ تواتر القشعريرة قد ألقى بظلّه على العنصر الأول، مشيراً إلى كون الاستجابة بالقشعريرة على الموسيقى كانت أقوى من أجل التنبؤ بالفروق الفردية في الاستجابات العاطفية على الموسيقى.
من المناقشة الختامية:
إنّ ردود الفعل العاطفية على المحفزات الجمالية هي تجارب مثيرة للاهتمام بالنسبة للبشر، ذلك أنّها ممتعة للغاية ومجزية، ولكنّها فردية للغاية أيضاً. قد يساعد العثور على الاختلافات السلوكية والعصبية بين الأفراد الذين يختبرون مثل هذه التفاعلات وبين الذي لا يختبرونها في فهم أفضل لمجموعة دوائر الثواب والأهميّة التطوريّة للجماليات بالنسبة للبشر. ونظراً إلى أنّه قد ظهرت فيما سبق مشاركة فصّ الجزيرة والقشرة الجبهية الأمامية في الاستجابات العاطفية والثواب، فقد أثبتنا ما توقعناه من أنّ اختبار الناس لعواطف شديدة كنتيجة للموسيقى من شأنه أن يزيد الارتباط الهيكلي بين هاتين المنطقتين وبين مناطق معالجة السمع في الفصّ الصدغي العلوي.
*ملخص بحث منشور في مجلّة أكاديميّة أكسفورد*