خالد الهبر: مهمتنا أن نخلق أحلاماً لهذا الجيل
اسكندر حبش اسكندر حبش

خالد الهبر: مهمتنا أن نخلق أحلاماً لهذا الجيل

يعود خالد الهبر الليلة (الثلاثاء) ليقف على مسرح قصر الأونيسكو في بيروت (الثامنة والنصف) ليقدم حفلا جديدا له. هي عادته في أن يعود في أيار من كل عام. ربما هو احتفال بعيد العمال أو كما يقول «هو أمر محفور في ذاكرتي». لكن بعيدا عن ذلك كله، هي تجربة فنية تستمر ولا تزال تجد أصداءها ليس عند الجيل الذي واكب الهبر من بداياته، بل أيضا عند قسم كبير من جيل جديد، يجد في هذا الفن تجسيدا لأحلام ما يحملها. حول الحفل الجديد، الذي يشاركه فيه عشرون شخصا (14 عازفا و6 كورس) هذا اللقاء.

تأتي حفلتك اليوم ونحن في قلب الذكرى الأربعين للحرب الأهلية وأنت أحد الذين واكبوا هذه الحرب منذ البداية غناء وفنا، ما الذي تحمله بعد من تلك الذكرى، ما الذي تغير؟

ـ تقديري أن شيئا لم يتغير، ربما تغيرت الأساليب والوسائل والأدوات، لكن من أربعين سنة لغاية اليوم كانت تمر فترات حرب أهلية عسكرية، لكن برأيي ان الحرب الأهلية لا تزال مستمرة بأشكال مختلفة. لا يزال الصراع الاجتماعي مستمرا بالأشكال عينها، والصراع السياسي والصراع الاقتصادي. كما كان لبنان مقسوما عاد وانقسم من جديد، لكن هناك شرائح تغيرت من مكان إلى مكان آخر. لا يزال الانقسام العمودي موجودا. ربما تغيرت أسماء الأماكن أو الاماكن نفسها لكن الوضع العام لا يزال كما هو. لكن هذا لا يعني أن أغنيتنا تواكب هذا الصراع بالمناسبات.

لن أقول بالمناسبات، ولكن لو طرحنا السؤال على هذه الأغنية: على النصوص التي بدأت بتقديمها مثل كفرشوبا وغيرها على سبيل المثال لوجدنا أن سياقها يختلف عمّا نحن فيه اليوم، أي كانت هناك أغنيات مرتبطة بمرحلة ما، هل ما زلت تشعر أن هذه الأغاني لا تزال صالحة لهذه الفترة؟
ـ أعتقد انه لا يزال هناك حنين ما إلى تلك الأغاني، وهذا الحنين لا يرتبط فقط بالأشخاص الذين عاشوا ولادة هذه الأغاني بل إنها ارتبطت أيضا بالأجيال الجديدة. الجيل الأول الذي تابع هذه الأغاني أورثها لأولاده وأحفاده الخ. ربما هو الحنين للنقاوة والعفوية التي انطلقت منهما هذه الأغاني. من هنا، أعتقد أنه لم يعد مهماً عنوان أغنيتك، بل المهم كلية الأغنية وطريقة صناعتها وصياغتها ورومنسيتها وشاعريتها، وهذا ما يسمح للناس بأن تبقى ملتقطة لهذا الأغنية.
الحنين

بعيدا عن الحنين الذي يشعر به جيلنا تجاه تلك الفترة بالرغم من كل رومنسيتها وأخطائها الخ.. لا يمكن أن ننسى أن هناك جيلا جديدا يواكب أغانيك، ألا يفترض هذا خطابا آخر لهذا الجيل؟
ـ ليس خطابا آخر، بل هو خطاب مستمر إنما يتطور مع ولادة أجيال جديدة: تتطور اللغة والصناعة الموسيقية ويتطور التوزيع الموسيقي والأداء، لكن هذا الجيل ورث تلك الأجيال وورث ثقافة تلك الأجيال أيضا أقصد أجيالنا نحن. من هنا نجد أن هناك علاقة عضوية بينه وبين هذه الأغنية التي قدمناها من زمن والتي تخرج الآن ونغنيها حاليا.


كيف تجد هذا الجيل، هل لا يزال يحمل «الحماسة» عينها التي حملها جيلك؟
ـ الحماسة موجودة، لكنه جيل لم يعش أحلامنا. هي الأحلام التي تركتنا نستمر. نحاول ـ من وراء هذه الاغاني التي نقدمها كما من وراء الأغاني القديمة التي نعيد توزيعها من جديد ـ أن نخلق أحلاما لهذا الجيل الذي أتى في فترات جافة حيث لا شعر ولا موسيقى ولا أغنية.. ما يراه وما يصله كمتلق لا يخلق له حلما ولا أسئلة ولا ثورة ـ ليس بمعنى الثورة السياسية ـ بل ثورة من الذات وعن الذات. من هنا أعتقد ارتباط هذا الجيل بهذه الأغنية..


ربما ولكن لا يمكن أن ننفي أننا نعيش سياقا تاريخيا مختلفا.
ـ هذا صحيح، ولأن هذا الجيل فاقد للأحلام ولأن قسما كبيرا منه مشوّه سياسيا واجتماعيا وطائفيا يأتي إلى هذه الأغنية.


مشوه طائفيا ويأتي ليغني معك ضد الطائفية كيف تفسر هذا «الفصام» إذا جاز القول.
ـ هذا هو الفصام اللبناني الذي وصلنا إليه، هو الشخص نفسه الذي يغني أغنية خالد الهبر وهو الذي يتخذ موقفا طائفيا حين تدعو الحاجة. من هنا المحاولات التي نقوم بها هي لإخراجه من هذا المكان الذي يقبع فيه وبإمكانياتنا الضئيلة: لا نملك سلاحا إعلاميا وليس لدينا امبراطوريات إعلامية.. شكرا للأميركان الذين اخترعوا لنا الانترنت. وسائلنا اليوم هي الانترنت والسي دي والحفلات ـ بالرغم من قلتها ـ نحاول أن نقوم بما يجب علينا أن نقوم به. هذا هو درونا وهذا هو عملنا.
أغان جديدة.


لندخل إلى الراهن: حفلتك غدا ماذا تتضمن؟
ـ هناك أغنيات قديمة مستعادة مثل أغنية إلى جمال التي كتبت إلى الشهيد جمال عياش بتوزع جديد، كما سنعيد تقديم أغنية قانا بتوزع جديد، إذ أعتقد أنه يجب علينا ان لا ننسى قانا، وأعتقد أننا ارتكبنا خطأ لأننا لم نقدمها منذ سنين طويلة على المسرح.. هناك أيضا أغنيتان جديدتان تقدمان لأول مرة مثل «بالشام كنّا نلتقي»، «شو بتنفع الذكرى»، كما هناك قطعة موسيقية تقدم للمرة الأولى.. من دون أن ننسى بالطبع الأغاني السابقة..


في النتيجة كم أغنية ستقدم في حفلك هذا؟
ـ عشرون أغنية، وكلها تحمل توزيعا موسيقيا جديدا.


منذ فترة لا بأس بها ولغاية الآن، يبدو الأمر وكأن خالد الهبر «سلم» أمره بالتوزيع الموسيقي لريان الهبر.. كيف تفسر هذا التعاون؟
ـ في البدايات كنت أوزع أغاني بنفسي لكني لا أعتبر نفسي موزعا موسيقيا. كنت أقوم بذلك وفق ما أسمعه أنا ووفق ما كنت أحب أن تصل إلى العالم وكنت أتناقش مع الموسيقيين الذين يرافقونني. أحيانا كنت أحظى بتوزيع من زياد الرحباني وهو موزع رائع، أسطوري. حين كبر ريان ودرس الموسيقى ـ عدا كونه موهوبا بالكتابة والتلحين والتوزيع ـ فإنه عاش معي نصف التجربة تقريبا والتقط مباشرة روحية التجربة. ليس معنى التوزيع أن تعطي شخصا النوطة وتقول له وزعها على عشرين موسيقيا بل عليه أن يفهم روحية الأغنية سياسيا وشعريا وعاطفيا..

من هنا لم يكن لدي أي مشكلة في التعاون مع ريان، حتى أننا أحيانا لم نكن نتناقش في التوزيع، كان يسمعني إياه وأجده مناسبا لهذه الأغنية. ليست القصة قضية توريث لكن صادفت أن ريان «قبضاي» بهذا الأمر. ثانيا، من المريح أيضا أن يكتب المرء ويلحن ويجد من يوزع له. الأهم في ذلك كله أنه يفهم الأغنية ويعرف كيف يجب أن تصل الأغنية.

 

المصدر: السفير