«نور العيون» لسهيل العقلة.. العودة إلى مسرح العمال المهجور

حتى أن مسرحية «كاسك يا وطن – 1974» التي قدّمها كل من محمد الماغوط ودريد لحام عُرضت على مسرح العمال؛ لتبدو هذه الخشبة اليوم شبه مهجورة بعد انكفاء الحركة العمالية السورية؛ وتراجع دورها في حقبة اقتصاد السوق، قبل أن تجهز عليها الحرب بعد ألف وخمسمائة يوم من سرقة أكبر المعامل وتدميرها في كل من حلب وريف دمشق وبقية مدن البلاد.

تأتي مسرحية «نور العيون 22- 25- آذار الجاري» اليوم كزيارة إلى مسرح العمال المهجور. وليحمل هذه المرة توقيع المخرج سهيل العقلة عن نص اقتبسه الناقد جوان جان عن مسرحية بالاسم نفسه للكاتب التركي خلدون الطائر؛ إذ كان المخرج عجاج سليم قد حققه للمسرح القومي عام 2001.
تروي «نور العيون» قصتها عن الصديقين «رامي ونور» الصبيين الصغيرين اللذين يشبان في كتاتيب دمشق في ظلّ دخول القوات الفرنسية إلى العاصمة السورية؛ وذلك بعد معركة ميسلون 1920 واستشهاد وزير الحربية يوسف العظمة؛ ودخول الجنرال غورو إلى العاصمة السورية بعد إنذاره الشهير؛ لينهي بدخوله هذا الإرهاصات الأولى لاستقلال السوريين في عهد حكومة الملك فيصل.
يستشهد والد «نور» في الحرب مع رفاق «العظمة» ممّن قضوا للدفاع عن حياض الوطن، فيما يهرب والد «رامي» من الحرب، متحالفاً مع طبقة التجار والنخب التي تآمرت مع المستعمر من أجل مصالحها الشخصية.
نتابع هنا مراحل عمرية كثيفة من حياة الشابين الصغيرين «رامي ونور» وقدرة الأول على ابتزاز الثاني، وتوريطه مراراً في صفقات مشبوهة، لا يبرح «رامي» إبرامها مع تجار المدينة ودهاقنتها، في حين يتعرض «نور» للسجن والاعتقال بعد مقالب عديدة يشربها من صديق العمر، بينما يستمر «رامي» في مشــروعه التجاري، وزيادة أرباحه بعد تأسيسه لجريدة «أصوات الناس» ووصوله إلى المجلس النيابي بعد التضحية برفيق عمــره؛ وتزويجــه إياه من عشيقته القديمة الحامل بطــفلٍ من صلبه.
مفارقات عديدة يرويها العرض عن حياة الصديقين، لتنتهي المسرحية بإصابة «نور» بالجنون وإيداعه مستشفى الأمراض العقلية، فيما يتربع «رامي» على عرش الطبقة الحاكمة في البلاد، مقلدةً إياه الأوسمة والنياشين لقاء خدماته الوطنية العتيدة!
ملابسات العرض تدور وفق تبديل مستمر لقطع ديكور صغيرة، استخدمها المخرج «العقلة» للتأكيد على أسلبة الواقع السوري، والبناء على شرطية الفن المسرحي لمحاكاة واقع الطغم السياسية والاقتصادية في بلاده. مشهدية متعاقبة وفق فواصل موسيقية وضعها الفنان رامز غنجية، وركز عليها مخرج العرض لمفصلة لوحاته التي كرر بعضها، دون أن يحاول اختزالها، أو تحريرها من الحوارات الزائدة لشخصياته.
بدا «نور العيون» نسخة من تلك العروض التي ما زالت تراهن على نظرتها التقليدية لفن الخشبة، والمتجلية في الأداء المفتعل وتفخيم اللهجة وخطابيتها؛ مقابل إهمال العالم الداخلي للممثل، والتعويل على فهم قديم لمصطلح المسرح الفقير، إلا أن «نور العيون» أعاد جمهوره الشحيح إلى مسرح الفقراء والمستضعفين. مسرح نقل العمال السوريين في سبعينيات القرن الفائت من خطوط الإنتاج أمام آلاتهم؛ إلى مواجهة الجماهير الكادحة، وتنويرها بدورها الذي كان مرتقباً مع صعود البعث إلى السلطة؛ ومحاولة تغيير واقع الناس؛ والأخذ بيدهم إلى جنة الاشتراكية الموعودة وتكافؤ الفرص ومكافحة الفساد الإداري، وصولاً إلى طبقة جديدة من مافيا دينية تبيع نفط البلاد وتسبي نساء المدن العمالية وتبيعها في سوق النخاسة الدولي.

المصدر: السفير