ثقافة «الفوضى»
على خريطة الفوضى، حيث فوضى المواقف، وفوضى السلاح، وفوضى الانتماءات، وحيث الحالة المأزقية، تصبح البيئة مناسبة لتسويق أي موقف، وتمرير أي رأي، وقول الشيء ونقيضه في الوقت ذاته، وارتكاب أي اثم، دون أن يُسمع صوت من يقول لا، ولماذا، وكيف؟
في ثقافة خريطة «الفوضى الخلاقة» مفروض عليك أن تكون مستهلكاً للخبر والمعلومة التي تقدم لك كيفما كانت، وممن كانت، تصدقها، وتأتمر بأمرها، فهي التي ستحدد سمت حياتك، وطريق سيرك، وطريقة نومك، وساعة استيقاظك، في ظل ثقافة الفوضى عليك ألا تنس لحظة واحدة أنك مشروع قتيل، حتى يصبح هاجسك البحث عن حبل نجاة كي تخرج من البئر، عن قشة تتمسك بها في بحر الفوضى، وتقتنع أن من رماك في الجب يمكن أن يمد لك يده لإنقاذك..؟!
في خريطة الفوضى، يمكن أن يصبح الخبير في إنتاج جينات الإرهاب داعية سلام، وتصبح زيارة داعية«ديمقراطي» إلى «كيان الهاغانا» والتنسيق معها خبراً عادياً عابراً، في هذه الخريطة يمكن أن تصبح تركيا صديقة الأكراد مثلاً، وأن تسمع «لصاً» يلقي عليك مواعظ وطنية، وأن ترى الجلاد ديمقراطياً، والحاخام «إماماً»، ويهوذا «مدافعاً» عن المسيح، يمكن كل ذلك.. هكذا في متوالية متناقضات لاتنتهي.
في ثنايا الخريطة التي أطلق عليها «الفوضى الخلاقة»، على ما يبدو أن العبث بالخرائط والكيانات، والتلاعب بمصير ملايين البشر، تستوجب عبثاً بالوعي أيضاً، وتلاعباً بالعقول، وتزييفاً دائماً للحقائق، وتلويثاً للضمائر، حتى يتم تبرير ما لايبرر، وحتى يتم القبول باللامعقول، حتى يجد من ما زال يقبض على الجمر نفسه غريباً، حتى يُفرض عليه أن يسكت، أو يهاجر، أو يذوي.. أو يصبح هامشياً وعاجزاً في أفضل الأحوال؟
غير أن كل الثروات المكدسة في البنوك، كل ماكينات الدعاية، كل مراكز الأبحاث، كل الخواء الروحي الذي يحاولون فرضه على البشر، كل شهود الزور، لا تنفع في تجميل وجه قبيح، لاتنفع في إقناع أحد في المفاضلة بين إرهابٍ وإرهاب.