الشاعر وهمُّه

الشاعر وهمُّه

المواجهة العميقة أمام الشاعر ( الفنان ) ، هي تحدّيات الفن نفسه .

عندما يؤمن الشاعر بأن الفن ، هو حقيقته ، ومسعاه ، وسبيله الوحيدُ ، يكون أنجزَ أساسَ مواجهةِ الواقع ، والأمرِ الـواقع .

ذلك أن للفن مستلزمَه الأخلاقيّ :

الفنّ في جوهره  ، نظرةٌ مخالِفةٌ ، مختلفةٌ .

أي أن للفنّ منطلقه النقدي  ، المبنيّ ضمناً .

خذْ غوغان مثلاً :

رسمَ غوغان آدم وحوّاء  ، في جزيرته النائية .

هو لم يواجه الأسطورة الدينية حول الخلق ، ببيان ، أو نحوه .

قدّمَ لوحةً لمرأة ورجل من سكّان الجزيرة الأصليّين .

قال بلا " مواجهة ذهنيّة " : هذه حوّائي . وذاك آدمي ...

غوغان اتخذ الفنّ منطلَقاً لإعادة النظر .

الفن ليس مرآةً للواقع . الواقع متردٍّ . قبيح . مرفوض .

الفنان يهشِّمُ المرآة أوّلاً !

 

****

قصيدة النثر

أظنّ محمود درويش يعني أنني أسهمتُ في تخفيف النصّ الشِعريّ من أعباء معيّنة ، منها التقفية،  وعلوّ الموسيقى ، والإيقاع . وهو يرى أن عنايتي بمتابعة التفاصيل وتفعيل علائقها ، له أثرٌ في الانتقال إلى قصيدة النثر .

على أي حالٍ ، أمرُ قصيدة النثر محسومٌ منذ أواسط القرن التاسع عشر . لكننا ، نحن العرب ، باعتبارنا خارج التاريخ ،

ما زلنا في أواسط القرن التاسع عشر ، نتناقش مثل حكماء بيزنطة  .

من ناحيتي نشرتُ في العام 1981 ديواني " يوميات الجنوب ، يوميات الجنون " ومعْظمُه قصائد نثر .

ليست لديّ في الشِعر أسوارٌ صينيّة .

قصيدتي " العقَبة " وسواها  ، تجريبٌ على حريّة الرقص !

حتى الآن أشتغل بحريّة ، على مختلف الأشكال ، في النصّ الواحد .

الفن ساحةٌ حرّة .

والأشكال  ليس لها حدٌّ .

ولسنا بِدْعةً بين الأمم ليكون لنا شكلٌ واحدٌ في الشِعر .

ليس من مشكلة تماثلُ ما ظللنا دائخين به منذ نصف قرن.

الصحافيّون اللبنانيون المحترفون الذين استحوذوا على الشِعر وادّعَوه لهم ، هم مَن عملَ طويلاً على تضييق ساحة القصيدة العربية ، وإبعادها عن الحياة  ، واتخاذ الموقف ، وساحات الخطر . الصحافيّ المحترف لا يتخذ موقفاً لأن الموقف الشجاع يكلِّفُه عمله ، وخبزه اليوميّ ...

 

***

 

محاكمةٌ شِعريّة

 

في " مختاراتي " الصادرة عن دار " آفاق " القاهرية ، حاولتُ أن أقدِّمَ ما أراه منجزاً جماليّاً .

تعرفون أنني أكتب منذ ستين عاماً ويزيد .

وبلغ متني الشِعري حوالي ثلاثة آلاف وثلثمائة صفحة .

من هنا لابدّ من محاكمة ، وحُكْمٍ !

في إشارتكم إلى الهجاء الشِعري :

أنا أحاولُ أن تتجنّب قصيدتي التورُّط في الغرض القديم .

أحياناً تحْدثُ لديّ امتعاضاتٌ ، وقد تشقُّ طريقَها إلى نصٍّ ما ، لكن هذا ليس نسقاً على أي حال !

 

***

تبرئـة !

 

نعم !

قال لي سامي مهدي على صفحة الفيسبوك : بيننا يا سعدي يوسف ما صنعَ الحدّاد  !

أجبتُه : ذهبَ الحدّادُ ، وبقيَ الحديدُ ...

كنتُ أعني أن النظام الذي وضع الشعراء إزاء بعضهم ، في خصومة دائمة ، قد مضى .

ليس لدينا كثرةٌ من الشعراء في العراق .

لنكنْ ، جميعاً ، في الحفلة المقدّسة !

 

***

سأرحلُ في قطار الفجرِ :

شَعري يموجُ ، وربيشُ قُبّعتي رقيقُ

تناديني السماءُ  لها بُروقٌ

ويدفعني السبيلُ به عروقُ

سأرحلُ ... 

إن مقتبَلي الطريقُ .

 

سلاماً أيها الولدُ الطليقُ

حقائبُكَ الروائحُ والرحيقُ...

ترى الأشجارَ عند الفجرِ زُرْقاً

وتلقى الطيرَ قبلكَ يستفيقُ

سلاماً أيها الولدُ الطليقُ ...

ستأتي عندكَ الغِزلانُ طوعاً

وتَغذوكَ الحقولُ بما يليقُ

 

سلاماً أيها الولدُ الطليقُ

سلاماً ، آنَ تنعقدُ البروقُ !

 

لندن 10/11/2013

آخر تعديل على الجمعة, 05 كانون1/ديسمبر 2014 15:10