Berlin Charlie checkpoint
في ببرلين هالأيام احتفالات كبيرة بذكرى سقوط الجدار. على أمل إنّو هاي السنين اللي كانت صعبة على ألمانيا ما بقا ترجع. بمعزل عن إنتمائي أنا اليوم، أكيد لو ما صار بالتاريخ السابق لسقوط الجدار أحداث وممارسات لا تحتمل، ما كان حدا فكّر يسقّط الجدار.
وبما إنّو اللي بيصير بالتاريخ حتمي، بدليل صار، وبالتالي ما فينا حتى لو برّرنا الممارسات اللي سبّبت اللي صار، نغيّر بواقع إنّو صار، ما فينا نقول إلا: اللي صار صار، ونضفلها: وخلص. لكن، كمان لازم نلاحظ شو بلّش يصير بالعالم كلّو، الشرقي والغربي المتحالف مع القارّة الأميركية، من بعد سقوط الجدار.
أهم شعارين بترفعهن الرأسمالية واللي هنّي: 1ــ المبادرة الفردية، و2ــ المنافسة في سبيل الأفضل، وصلوا لمشكلة كبيرة عملية. بشكل أوضح، وصلوا لتناقض أساسي داخلي موجود فيهن، خاصة الشعار التاني المتعلّق بالمنافسة، واللي كانت ملغيّي تقريباً بالنظام الاشتراكي لمصلحة مركزية الدولة. إذا رجعنا للمبادرة الفردية، الظاهر إنّو ما عاد إلو لزوم تسويقها بالإعلام الغربي، والأرجح لأنّو أهميتها كانت مربوطة بوجود منظومة إشتراكية كبيرة مؤمنة بمركزية الدولة. فلمّا انهارت، بقيت المبادرة الفردية وحدها بالسوق العالمي (مع استثناءات ببعض الدول) هيّي المتداولة والطبيعية. الكارثة اليوم اللي برأيي رح تنهي الرأسمالية بإذن الله، مش بالمبادرة الفردية بل بـ «المنافسة في سبيل الأفضل». طلعت هيدي «الخبرية» أكبر كذبة أو نكتة عالمية معاصرة. لأنّو تبيّن من التراجع العام والشامل النوعي بكل شي مصنّع لينباع، ناتج عن سبب منّو غير إرادي. بالعكس تماماً، طلعت هيدي المنافسة مش في سبيل الأفضل. طلعت في سبيل الأربح، يعني في سبيل المال الأكتر مش المنتج الأفضل. فهمت يا بابا؟!
الرأسمال، تأكّد يا بابا، الرأسمال متمثّل بالصناعيين الكبار أصحاب المصالح الضخمة الأساسية والمكمّلة والكمالية، كلها دون استثناء، تأكّدوا ببساطة شديدة وبوضوح الشمس إنّو: الأفضل بالنظام التنافسي بيخسّر...! أيوااااااه. إيه ده؟ كارثة. إيه بس لأ مش عالتجار ولا الصناعيين، لأنّو حلّوها دوغري، ما بدها شي: الأفضل = نوعية أكتر = خسارة = ربح أقلّ. هيدا الأفضل بلاه وأخت ساعتو...! ومين قال إنّو الإنسان أي الشاري ضروري ياخد الأفضل، أو إنّو هوّي بيعرف قديش بعد في أفضل. ما نحنا اللي بالإعلام عمنخبرو وندلّو إنّو هيدا هوّي الأفضل. هلق هوّي بيثبت مع الوقت إنو اشترى منتج وخرب عندو أسرع، إنما كان أرخص لأنّو سعرو أقلّ ونوعيتو كمان. بالتالي، هيدا «الأفضل القديم المعهود»، هيدا غير أفضل تبع هلق. هيداك الأفضل القديم واللي الرأسمال سوّقلو وفلقنا سنين بنوعيتو وطول عمرو، مقابل الاشتراكية اللي مهتمة بس بالكمّية على حساب النوعيّة، فطلع بعد خبرة وتجربة الرأسمال بالسوق، إنّو الأفضل المعهود هيداك منّو «الأفضل الحقيقي»، فالأفضل هوّي هيدا هلق، وهيّاه: أرخص وبس بدّك تتخلّى عنّو بترميه، لأنّو رح فيك بسبب رخصو تجيب أفضل وأجدّ منّو. والأجدّ تفصيل مهمّ بالإعلام. وبما إنّو أهم شي إنّو صانع المنتج ما يأفلس أو لا سمح الله يربح أقلّ، من المستحبّ تتراجع النوعيّة، والربح إذا ما قادر يطلع بيستقرّ... ما معقول كمان يكون الأفضل ما بيسوى... بيخسّر لأنو!
Berlin charlie checkpoint 2
الاستنتاج الأول: رأس المال، وبذروة إنتشارو وسيطرتو عالكرة الأرضية، يعني بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ابتداءً من تسعينيات العصر الماضي حتى أيامنا الحالية، تراجعت عندو النوعية بشكل مضطرد وما زالت، بشهادة المتنافسين الكبار نفسن وبمباركة وموافقة الشعوب من الشرّايين واللي بسهولة دغري بيقارنو مع نوعية الأفضل المعهود أو الماضي بشو ما كان.
طيب سؤال؟ إنّو بعد ما انفكّ الاستنفار الشديد اللي كان ضروري بالحرب الباردة عند كل أجهزة المخابرات الغربية والأميركية، لدرجة الاستلشاق ببعض الحالات واللي اتهمت فيها مثلاً الـ «سي آي ايه» بأميركا خاصةً بعدم التوقع والاستحياط الكافي لأحداث 11 أيلول، وبعد هبوط الميزانيات العسكرية المخصصة لمحاربة المعسكر المنهار، وبالتالي تحوّل جزء كبير من مال الدول الرأسمالية للرخاء مفروض، والاختراع والتحسين والتطور، ليش عميصير العكس؟ ما البعبع الاشتراكي وقع، وفوكوياما فظّع وطمّن الجميع بتنبؤاتو عن نهاية التاريخ مثلاً يا بابا... عيّط للماما لنخبّرها. في شي تاني إذن، وهوّي «توك»، والتوك هوّي المشكل المزمن. بيوازي المرض اللي بيجي باللغة الشعبية: خِلقة. هيدا اللي اعتمدولو إسم مع بداية عهد الكومبيوتر: by default. إيه نعم في توك بالرأسمالية، توك ــ خِلقة، وهوّي ببساطة: برأس المال ما في تنين! وفي حال في تنين يعني عميتنافسو حتّى واحد يسيطر، أي يربح السوق وحدو، وإذا أمكن يكون السوق كلّ الكرة الأرضية، بيكون أفضل!!! هه، هون فعلاً بتعرف شو هوّي أفضل الأفضل، أفضل التفضيل. بعدين مين قال إنّو الفرد عدوّ المجتمع؟ ما هيّي كلّ النظريّات المادية والأديان السماوية، إذا في شي وحيد مشترك بيناتها، هوّي فكرة المجموعة وأهميتها للفرد، الفرد بيحتمي بالمجموعة وهاي طبيعتو. هيدا عكس تمام ما الإعلام الغربي داير يسوّق. ما أساساً كل شي، والبشري ضمناً، حوّلو رأس المال لمنتج (Product). ومتل ما اعتمد بالسياسة والحرب مبدأ فرّق تسد، السلعة عمبيصنعها ويسوّقلها على نفس المبدأ. يعني: بيشقّف المنتج، بيبيعو شقف، وعَ مراحل (شقّف الوقت كمان)... إنّو هيدا المنتج الجديد بيجي بهالطريقة... إنّو في 200 غرام شوكولا ما رح نضلّ فينا نبيعن بنفس الشكل... والنتيجة صارت موجودة بالسوبرماركت: شي بالكدشة، وشي بنص لوح، شي بأكياس، شي مش معقول. هاي بشكل أو بآخر خطة «شقّف تسد» ــ مستعد الرأسمال يوضع الفرد مقابل المجموعة. لاحظوا كيف دايماً المعلن بيخاطب المشاهد ـــ الزبون بصيغة المفرد، وهنّي مليارات عالتالفزيون، وطبعاً بيجلّي بالفرداوية بس يخاطب المرأة. بيخاطبو وبيخاطبها بحميمية حتّى، وبينفخ فين وبقوتن وبشخصيتن وبجمالن اللي هيي أكتر من الباقيين. ليه مين هنّي الباقيين؟ ما هنّي زباين كمان! الغبا فظيع، بس لا بدّ منّو الظاهر. والفرد اللي ما بيتوفّق بمبادرتو الفردية، يعني يللّي بيطحنو السوق من ورا فشلو إجتماعياً، أي بالأساس مالياً/ معيشياً، السوق ما بيتركو. إخترعلو كمّية من الجمعيّات والمؤسسات اللي بتدرلو البزّ قبل ما يبكي ويكفر بالنظام. هيدي هالمؤسسات والمناهج بيطلع فيها لايحة بتطعمي جزء من أفريقيا لو الأموال اللي بتنصرفلها ما بتنصرفلها. بس إنت حبيبي قادر تحكي الـ «يو أس أيد» بهيك فكرة؟ ريتك تسلم لأمّك شو هالشبّ.
الاستنتاج التاني: الشعارات الكلاسيكية التاريخية لرأس المال اللي كان أهمها: الخبرة، العراقة، الأقدمية، وطبعاً المتانة والضَيان، هيدي الشعارات صارت ضد اللي أطلقها، ولسبب بسيط وغير متوقّع خالص، لأنّو رأس المال موصوف بقصر النظر، وليه؟ لأنّو بيجي من العمى الخالص اللي بيصيب الانسان قدّام الربح الكبير، وبالتحديد قدّام منظر تكدّس المصاري. منظر بالنسبة للبعض أهم من الاغراء النسائي، إيه والله... مثال بسيط، وللتذكير، الإشتراكية برّات المنافسة وبرّات التهديد العسكري: إنّو شركة الدودج شو في عندها أو شو في وراها لحتّالي عم بتقلّع هالقد عمّال عبيوتن، وبالألوف، غير الخوف من الخسارة. ومن شو الخسارة؟ من أي سيارة أرخص، حتى لو هالسيارة دودج كمان، بس موديل أرخص من موديل دودج تاني. معقول!!؟ إيه نعم معقول كتير وبدليل كل موديل بطّل يبيع متل قبل، وقّفتو الدودج وبعتت اللي كانوا يشتغلوا فيه عبيوتن بكل رياحة مش ضمير، بكل رياحة صندوق (العولمة) ــ إنّو شو بدا الدودج بالله بسيارة بتبقى عندك شي 15 سنة؟ إنّو هيي بهالوقت شو بتعمل يعني. شو بتبيع كعك بسمسم وألّيطا؟ أو فوط غبرا ومطبخ؟ ولا يمكن طبعاً ــ إنّو قليلة، سيارة إنت صمّمتها وصنّعتها وسوّقتلها وفلقت اللي خلقنا فيها السنة الماضيي، تصير عدوتك إلك السنة؟ وأنا شو بعمل؟... ما إلك رب إنت.
(يتبع)
المصدر: الأخبار