جلد الذات!!
من تجليات الأزمة في جانب علم النفس الاجتماعي تفشي ظاهرة ما يمكن تسميته بـ «جلد الذات» التي تتجلى بأشكال مختلفة، وتأخذ بعداً مجتمعياً وتاريخياً.. فما نحن فيه هو «نتاج تخلفنا» و«نستحق» ما يحصل لنا، لتصل لدى البعض إلى «مازوشية» ذات محتوى سياسي تبرر استجداء الخلاص حتى من إبليس، طالما «نحن» عاجزون عن فعل شيء، وما دامت «مجتمعات متخلفة» وصولاً إلى شتم «تاريخنا الأسود» ..كذا؟!
هذه الحالة النفسية القلقة التي بدأت تتسع دائرتها وتظهر هنا وهناك في الخطاب المنطوق والمكتوب، هي قبل كل شيء «سايكولوجيا الانسان المقهور» هي نتاج حالة سد الأبواب أمام تنمية الشخصية الانسانية في حالتها الطبيعية الافتراضية، نتاج غياب تلك البيئة الاجتماعية والسياسية التي تسمح للانسان من التعبير عن مكنونات الذات الانسانية وحاجاتها، هي نتاج تراكم الشعور بالعجز..وهي في ظل ثورة الاتصالات نتاج الحرب البسيكترونية «الإعلامية النفسية» التي تشنّ علينا، وتدمّر عالمنا المادي والروحي، لتعزز الشعور بالدونية تجاه الآخر، وتعمق النزعة السلبية تجاه الثقافة والتاريخ، و«تلعن» كل ما هو محلي، وترسم لنا عالماً افتراضياً سرعان ما يصطدم ببؤس الواقع ومرارته ومفارقاته وآلامه..
جلد الذات الذي بدأ البعض يغرق فيه، هو النسخة الأخرى من اللامبالاة، هو نكوص عن القيام بالدور المطلوب، هو استسلام وإعلان هزيمة، وربما يكون الوجه الآخر للتطرف!، جلد الذات هو دلالة أخرى على بؤس المستوى المعرفي لدى البعض في الوسط الثقافي والسياسي السوري حيث يتفشى هذا المرض، على عكس الدور المطلوب ممن يعملون في الحقل المعرفي والذين يفترض بهم القدرة على إبداع الحلول الواقعية، والعمل لتحقيقها، حيث لايقبل أي منطق علمي بانعدامها، مهما كانت «الأوضاع معقدة» و«اللوحة ضبابية» وحيث منوط بهم وظيفياً فتح الطريق للمواطن السوري حتى يستطيع الخروج من المتاهة التي أدخل فيها.
نقد «ثقافة» جلد الذات لايعني بحال من الأحوال التهرب من الوقوف أمام ما يسميه علماء النفس «محكمة الأخلاق العليا» وبالمعنى السياسي ضرورة إعادة قراءة الماضي، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أمام ضرورة التغيير بأبعاده المتعددة أي الوقوف أمام محكمة الضمير الوطني.