رحيل حيدر يازجي نقيب التشكيليين السوريين.. ثقافات وأفق ومخيّلة
حتى الساعات المتأخرة من صباح اليوم تجاهل الإعلام السوري نبأ رحيل الفنان حيدر يازجي «أنطاكية 1946 - 2014» الذي وافته المنية ظهر الخمـيس الماضي عن عمر ناهر الثمانية والستين عاماً؛
قضى نقيب التشكيليين السوريين أكثر من نصفها في الاشتغال على محترفه الخاص؛ سواء في التشكيل والتصوير والرسم، أو حتى في تدريس هذه الفنون التي استطاع تأصيـلها في الحـركة التشكيلية المعاصرة لبلاده؛ إذ يبدو تجاهل مواقع وزارة الثقافة السورية بما فيها موقع مديرية الفنون الجميلة «متحف الفن السوري» مستفزاً في بلادٍ اعتادت الاحتفاء فقط بنجوم التلفزيون، والذين تقيم الشاشات الحكومية الدنيا ولا تقعدها إن رحل أحدهم؛ فيما لا تعير الشاشات ذاتها أي انتباه لرحيل شاعـر مـثل سهيـل إبراهـيم أو روائي من قامة عبد النبي حجازي أو حتى لفنان تشكيلي. من هنا لم يستطع ابن لواء اسكندرون المنسي في إعلام بلاده مثل نسيان رحيله إلا أن يذكّر نفسه دائماً بحبه للأرض السليبة؛ مطلقاً اسم هذه الأرض على ابنته الشاعرة لواء يازجي.
منذ إنهاء الراحل دراسته في المعهد العالي للفنون السينمائية في موسكو، وحصوله من هناك عام 1977 على شهادة الماجستير في الرسم والتصوير الزيتي، وبعد حصوله عام 1981 على شهادة الدكتوراه في فلسفة العلوم الفنية؛ عمل يازجي أستاذاً محاضراً في كلية الفنون الجميلة في دمشق؛ ليشغل بعدها منصب نقيب الفنانين عام 2000؛ حيث اشتهرت أعماله بصبغة واقعية؛ فاللوحة لطالما كانت بحسب رأي يازجي عرضةً للمرور في «مخاض إبداعي» قبل الوصول إلى مرحلة التنفيذ؛ ليأتي الفنان برؤى جديدة كما هو في فعل اليازجي في لوحة «بانوراما حرب تشرين»، التي كان يعتبرها شيئاً أساسياً في حياته الفنية التي قدم عبرها عشرات الجداريات والمنمنمات، حائزاً العديد من جوائز التقدير داخل سوريا وخارجها؛
لفنه تجاور بصري صادم؛ عبّر فيه عن الحالات التي طالما اختلجت لوناً وضوءاً في مخيلة الفنان الراحل؛ لتكون لوحة يازجي مثالاً حاضراً للواقعية التعبيرية؛ كنوع من الفن تميز بأفق وخيال وثقافة راهن من خلاله دائماً على الجديد والمبتكر.
اشتغل يازجي في أعماله أيضاً على العوامل المحيطة والحالات الاجتماعية التي عايشها؛ والتي كانت برأيه «تلعب دوراً هاما في عطاء التشكيلي وفي قدرته على تطوير موهبته»؛ مطوعاً كل الظروف وقتامة الواقع المحيط لخدمة لوحته؛ وبذلك يكون قد انتزع الراحل لنفسه لقب فنان الواقعية الجديدة بجدارة؛ إلا ان هذا لا يعني ركونه إلى نوع محدد في طريقة رسم اللوحة؛ بل كانت الفكرة بعد مرورها في خياله هي من كانت تحدد برأيه طابع اللوحة؛ إن كانت واقعية أو تعبيرية أو تجريدية أو سوريالية؛ ليعمل يازجي بعدها على الحالة النفسية، محدداً بنفسه بنية اللوحة وأسلوبيتها؛ فتصنيف أعمال يازجي ضمن مدارس وأساليب فنية لا معنى له؛ إلا بما تلعبه هذه المدارس من دور في صقل الصياغة البنيوية والتركيبية لموهبة يازجي؛ وذلك من خلال ما أضفته من ثقافات اطلع عليها هذا الفنان في معارضه الخارجية في كل من روسيا وأوروبا والعالم العربي؛ فشجاعته هي اجتهادات تحسب له في مجال الإقدام على تطوير ما بدأ به جيل كامل من تشكيليي بلاده؛ والذين عاصر يازجي معظمهم، من فاتح المدرس ولؤي كيالي ونذير نبعة، وصولاً إلى الجيل الحالي الذي كان حريصاً دائماً على متابعة أعماله في معرضي الربيع والخريف السنويين اللذين كان يشارك في انتقاء أعمالهما، بحكم عمله كنقيب لاتحاد التشكيليين السوريين. لكن هذا لا يمنع أن يازجي كان حزيناً أواخر أيامه، ولطالما تحدث عن حلمه بإقامة متحف للفن الحديث في دمشق؛ حيث تم تحويل قطعة الأرض التي تم تخصيصها لوزارة الثقافة من أجل بناء هذا المتحف؛ إلى حديقة حيوانات في «العدوي» الحي الراقي في العاصمة السورية.
المصدر: السفير