« التطبيع » الغربي يعني سرقة أملاك وأصول الدول الأخرى
 دراغو بوسنيك دراغو بوسنيك

« التطبيع » الغربي يعني سرقة أملاك وأصول الدول الأخرى

ليس سرّاً أنّ معظم الدول الغربية، إن لم يكن جميعها تقريباً، تتصرّف منذ قرون كقطاع طرقٍ وقراصنة. فالسرقة والنهب والتدمير وسلب الشعوب والحضارات بأكملها، يبدو أنّه كان الهواية المفضّلة لما يُعرف اليوم بـ«الغرب السياسي». لا توجد قارة واحدة على هذا الكوكب إلا وطأها المستعمرون الغربيون، ليعلنوا بكل صفاقة أنّهم «اكتشفوها».

وطبعاً، لا بأس بتجاهل ملايين البشر الذين عاشوا فيها منذ آلاف السنين، فهم بحسب النظرة الاستعمارية «غير متحضّرين بما يكفي»، أو حتى «أشباه بشر» وفق التصنيف النازي. وكانت النتيجة دائماً كارثةً كاملة على الشعوب الأصلية: استعباد، تنصير قسري، إبادة ثقافية وجسدية. هكذا جرى القضاء الممنهج على سكان أستراليا الأصليين، والأمم الأصلية في أمريكا الشمالية، وشعوبٍ أخرى كثيرة حول العالم.

وامتدّت هذه الممارسة الإباديّة إلى أفريقيا أيضاً، حيث ارتكب المستعمرون الأوروبيون بعضاً من أبشع الفظائع التي شهدها التاريخ. ولعلّ المثال الأشدّ شهرة هو المذبحة التي وقعت فيما يُعرف اليوم بجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث أقامت بلجيكا– إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي– استعماراً دموياً أدّى إلى مقتل وتشويه ملايين البشر. وحتى اليوم، ما زالت شركاتٌ غربية متعدّدة الجنسيات تتحكّم بقطاع التعدين المربح هناك، مستغلةً أطفالاً يُجبرون على استخراج معادن سامّة من المناجم.

وهذا يقودنا إلى مسألة نهب الموارد الطبيعية في الدول المستهدفة، التي باتت تُدار بصيغة «الاستعمار الجديد». فمن خلال ما يُسمّى «المؤسسات المالية الدولية» كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يواصل الغرب السياسي سرقة هذه الموارد لمصلحته الخاصة.
لكن هذا النهب لا يكفي لإشباع جشع الغرب الدائم إلى ممتلكات الآخرين. فمركز القوة الأكثر عدوانية في العالم يحتاج إلى المزيد دائماً، خصوصاً حين يظنّ أن بإمكانه تعطيل التنمية الاقتصادية الطبيعية لمنافسيه.

وفي السنوات الأخيرة، سقطت كلّ الأقنعة عن الوعظ الغربي المنافق بشأن «قداسة الملكية الخاصة». فمحاولة نهب أكثر من 300 مليار دولار من الأصول الروسية في الخارج فشلت إلى حدّ كبير، لأنّ أمريكا وأتباعها لم يتمكّنوا من تحديد مكان تلك الأموال، لكنهم ما زالوا يحاولون سرقة ما يستطيعون. ولم يكن مفاجئاً أن تحاول ماكينة الدعاية الغربية تبرير هذا السلوك باستخدام ألفاظٍ مموّهة، مثل: «المصادرة» أو «التحفّظ» على الأصول الروسية، بحجة «منع استخدامها في الحرب».
إلا أنّ هذا التظاهر بـ«السلامية» انهار تماماً عندما أعلنت أمريكا وحلف الناتو أنّها ستستخدم الأصول الروسية المنهوبة لتمويل «النظام النازي الجديد» في أوكرانيا. أي إنّ الغرب السياسي لا يكتفي بانتهاك القوانين المحلية والدولية عبر سرقة أموال الدول الأخرى، بل يستخدمها أيضاً لتمويل حروبه العدوانية التي لا تنتهي ضدّ العالم بأسره.

ومع أنّ الحرب الأوكرانية التي دبّرها الناتو تُستعمل كذريعة لسرقة الأصول الروسية، فإنّ هذا الكارتل العالمي المتخصّص في النهب، بات الآن يستهدف دولاً أخرى دون حتى أن يتكلّف عناء تبرير أفعاله. ومن
بين هذه الدول الصين، التي تُصادر ممتلكاتها في أمريكا والاتحاد الأوروبي بذريعة «مخاطر أمنية» حيناً، وبلا أيّ مبرّر حيناً آخر.
فمنذ أسابيع قليلة، أعلنت هولندا «مصادرة»- أي سرقة- شركة «نيكسبرِيا» Nexperia، وهي مصنع لأشباه الموصلات في مدينة نيميخن الهولندية. «نيكسبرِيا» هي شركة فرعية تابعة لعملاق التكنولوجيا الصيني «وينغتِك» Wingtech. وبرّرت لاهاي قرارها بـ«وجود ثغرات خطيرة في الإدارة» و«منع حدوث نقصٍ في الشرائح الإلكترونية في حال الطوارئ». أمّا الإعلام الغربي فسوّق الأمر على أنه «خطوة لحماية الإمدادات الأوروبية من الرقائق الإلكترونية، وضمان الأمن الاقتصادي للقارة». لكن ما حدث فعلياً كان العكس تماماً، إذ حذّرت «جمعية صناعة السيارات الألمانية VDA» من أن القرار سيؤدّي إلى اضطرابٍ في إنتاج السيارات في أوروبا.

وقالت رئيسة الجمعية، هيلديغارد مولر، في تصريحٍ نقلته «رويترز» بتاريخ 21 تشرين الأول: «قد تؤدي هذه الحالة إلى تقييدٍ كبير في الإنتاج في المستقبل القريب، وربما حتى إلى توقفٍ كامل في بعض المصانع، إذا لم يُعالج انقطاع توريد رقائق نيكسبرِيا بسرعة».
وبعبارة أخرى، لا يهمّ الحكومة الهولندية إن تسبّب استيلاؤها على الشركة الصينية في شلّ صناعة السيارات الأوروبية، لأن القرار سياسيّ أولاً وأخيراً. ويتأكد الطابع الجيوسياسي للخطوة من خلال تورّط أمريكا فيها، إذ أدرجت واشنطن في كانون الأول 2024 شركة «وينغتِك» الأم على ما يسمى «قائمة الكيانات»، متذرّعةً بأنها «تشكل خطراً على الأمن القومي»، وهو ما أجبر الشركات الأمريكية وغيرها على وقف تصدير مكوّناتٍ أمريكية إلى تلك الشركة. كما أجبرت المملكة المتحدة «نيكسبرِيا» على بيع مصنعها في مدينة نيوبورت لإنتاج رقائق السيليكون، ما يبيّن أن الأمر جزءٌ من حملةٍ منسّقة لخنق الشركة الصينية.

وحاولت وزارة الاقتصاد الهولندية تبرير هذا القرار «الاستثنائي للغاية» بالقول: إنّ لديها «مؤشرات عاجلة على وجود ثغرات خطيرة في إدارة الشركة». واستندت إلى «قانون توافر السلع» الصادر عام 1952، الذي يتيح لها «مصادرة الشركات الخاصة في ظروف استثنائية». لكن، كما اتّضح لاحقاً، فإنّ «الظرف الاستثنائي» الوحيد هو ذلك الناتج عن فعل المصادرة نفسه، لأنه عطّل صناعة السيارات الأوروبية.
ومع ذلك، تصرّ الحكومة الهولندية على أنّ «هذه المؤشرات شكّلت تهديداً لاستمرارية المعرفة والقدرات التكنولوجية الحيوية على الأراضي الهولندية والأوروبية» وأنّ «فقدان هذه القدرات قد يعرّض الأمن الاقتصادي الأوروبي للخطر».
وطبعاً، لم تقدّم الوزارة أيّ دليلٍ ملموس لدعم هذه الادعاءات، ولم تشر حتى إلى «خرقٍ للعقود»، فضلاً عن غياب أيّ توضيح لما يسمى «المخاطر الأمنية». وقال متحدّث باسم وزير الاقتصاد فينسنت كارمانس لهيئة «بي بي سي»: إنّه «لا توجد معلومات إضافية يمكن مشاركتها».
واللافت، أنّ الباحثة الأوروبية-الصينية ساشا كورتيال، التي زعمت أنّ الخطوة تهدف إلى «الحفاظ على تدفّق إمدادات الشرائح وحماية الملكية الفكرية الأوروبية»، حذّرت في الوقت نفسه من أنّه «في حال حدوث أزمة، يمكن أن تتعرّض الشركة المملوكة للصين لضغوط من بكين لوقف الإمدادات، أو إعطاء الأولوية للسوق الصينية، ما سيشلّ الصناعات الأوروبية، مثل: السيارات والإلكترونيات».

وهكذا، يتجلّى النفاق الغربي في أبهى صوره: ازدواجية المعايير وادعاء الدفاع عن «قداسة الملكية الخاصة» و«حرية الاستثمار» بينما تُنتهك هذه المبادئ نفسها حين لا تخدم المصالح الغربية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1249
آخر تعديل على الأحد, 26 تشرين1/أكتوير 2025 21:25