مايكل روبرتس عن «جمعية الاقتصاد غير التقليدي»
مايكل روبرتس مايكل روبرتس

مايكل روبرتس عن «جمعية الاقتصاد غير التقليدي»

في الأسبوع الماضي، انعقد في لندن المؤتمر السنوي لجمعية الاقتصاد غير التقليدي AHE، وتعني التسمية الاقتصاديين: «الكينزيين الجدد، الماركسيين، أتباع سرافا، الاقتصاديين المؤسسيين-التطوريين، الاجتماعيين، النمساويين، والنسوييين»، حيث يجتمعون مع بعضهم بعض أثناء تقديم أوراق بحثية. إذاً، المؤتمر هو منتدى أكاديمي للاقتصاديين الذين لا يعتبرون أنفسهم جزءاً من التيار السائد.

ترجمة: أوديت الحسين

برأيي، يمكن إجمال مدارس الفكر الاقتصادي بثلاث: التيار السائد، وغير التقليدي، والماركسي. هناك شيء واحد يوحّد التيار السائد وغير التقليدي، وشيء واحد يميز الاقتصاد الماركسي عنهما: نظرية القيمة والعمل وفائض القيمة. فأولئك يرفضون صحة وأهمية مساهمة ماركس الرئيسية في فهم النظام الرأسمالي: أي أنّه نظام إنتاج من أجل الربح؛ وأن الأرباح تنشأ من استغلال قوة العمل – حيث تنشأ القيمة وفائض القيمة.

إنّ استنتاجي، خلافاً لما يُروّج له التيار السائد وغير التقليدي، هو أنّ دول الجنوب العالمي «6 مليارات نسمة» لا تلحق بالشمال العالمي «2 مليار نسمة» لأنّ الثروة «القيمة» يتم تحويلها بشكل دائم من الجنوب إلى الشمال، ولأن الربحية المتراجعة في الجنوب تقلّل من نمو إنتاجية العمل. قد تكون الصين استثناءً لأن نمو استثماراتها أقل اعتماداً على الربحية مقارنة بأي اقتصاد رئيسي آخر في الجنوب العالمي.

في الجلسة، ركّز زملائي من المتحدثين على النظرية الخاصة بالاستغلال الإمبريالي. شدّد جون سميث على أهمية وصحة النقاط الخمس التي طرحها لينين حول طبيعة الإمبريالية الحديثة في كتابه عام 1915. كان تصدير رأس المال من قبل رأس المال الأوروبي والأمريكي في القرن الحادي والعشرين بسبب «نقص فرص الاستثمار المربحة» داخلياً؛ أي أن انخفاض معدل الربح محلياً دفع رأس المال للبحث عن أرباح أعلى في مناطق العمل الرخيص في العالم. وقد دمرت الشركات متعددة الجنسيات من الشمال محاولات العديد من دول الجنوب لبناء قاعدة صناعية مستقلة خلال القرن العشرين. بالتالي، فإن التصنيع في الجنوب استند إلى معدلات فائض قيمة مرتفعة ناتجة عن الأجور المنخفضة. لم يكن الأمر أن الجنوب «ينتج السلع» والشمال قد صَنع، بل إن التصنيع في الجنوب في أواخر القرن العشرين قام على استغلال «بل واستغلال مفرط» للعمل هناك.

قدّم كونراد هيرولد من جامعة هوفسترا في لونغ آيلاند ملخصاً ثاقباً للمقاربات الماركسية في تفسير الاستغلال الإمبريالي خلال المئة عام الماضية منذ لينين، بدءاً من هنريك غروسمان عام 1929، ثم بيتيلايم وإيمانويل، وصولاً إلى ما يُعرف بـ«نظرية التبعية» التي جاءت أساساً من روي ماريني في أمريكا الجنوبية. رفض هيرولد النظريات البنيوية، مثل: نظرية بيريرا، التي قالت: إنّ الجنوب لم يتطور بسبب «تصنيع مبكر»، ما جعل الجنوب منتجاً للسلع الأساسية في ظل نظام صرف عملات أفاد الشمال. في خلاصة حديثه، قال هيرولد: لا يزال هناك عمل كثير ينبغي القيام به لتطوير نظرية ماركسية قوية حول الاستغلال الإمبريالي.

في تلك الجلسة، دار بعض النقاش حول ما إذا كان نقل الربح والريع والدخل عبر التجارة الدولية وتدفقات رأس المال ناتجاً أساساً عن معدلات فائض قيمة مرتفعة «بسبب انخفاض الأجور» في الجنوب العالمي، أو بسبب معدلات تفوق تكنولوجي أعلى لدى شركات الشمال. اعتمدت نظرية إيمانويل الماركسية القديمة على فائض القيمة المرتفع، في حين أن بيتيلايم ركّز على مستويات أعلى من التركيب العضوي لرأس المال. أما أنا، فمن وجهة نظري، كلا العاملين لهما تأثير، وفي عمل مشترك قمت به مع غولييلمو كاركيدي، وجدنا أن الفروقات في التركيب العضوي لرأس المال، وفائض القيمة، ساهما معاً في نقل القيمة من الجنوب إلى الشمال.

في جلسة أخرى، قدّم كل من باتريك موكر من غرفة العمل الفيدرالية النمساوية وغوني إيسكارا من جامعة نيويورك، بحثاً تجريبياً مهماً غطى هذه القضية. باستخدام جداول المدخلات والمخرجات متعددة المناطق MRIOT، قدّروا تحويلات القيمة الدولية لـ 159 صناعة خلال الفترة من 1995 إلى 2020. وجدوا أن هناك تحويلات دولية للقيمة بلغت 5.9% من الناتج الإجمالي العالمي سنوياً خلال تلك الفترة، بإجمالي تحويلات تجاوزت 70 تريليون يورو. ليس من المفاجئ أن أكبر المستفيدين كانوا اليابان وأوروبا والولايات المتحدة، وأكبر الخاسرين كانوا البرازيل والمكسيك وإندونيسيا وروسيا.

ما كان مفاجئاً ومهماً، هو أن الصين تحوّلت من كونها خاسراً صافياً كبيراً في تحويلات القيمة خلال التسعينيات إلى رابحٍ صافٍ، لا سيما منذ الركود الكبير عام 2008 الذي أصاب الشمال العالمي. لا عجب أن الإمبريالية الأمريكية وحلفاءها يسعون لخنق التنمية الاقتصادية والتقنية للصين بكل الوسائل.

كما أوضح موكر وإيسكارا، فإن تأثير التركيب الرأسمالي الأمثل VCC ومعدل فائض القيمة الأعلى RSV كانا متساويين في الأهمية في تحويلات القيمة. وفي حالة الصين، فإن التحول من خاسرٍ صافٍ إلى رابح صافٍ، كان تقريباً بالكامل نتيجة للاستثمار المرتفع والتقدم التكنولوجي، أي الزيادة في تركيب رأس المال الأمثل.

في جلسة أخرى، قدّم توماس روتا من كلية غولدسميثس مع ريشاب كومار من جامعة ماساتشوستس مداخلة أظهرا فيها أن قانون الربحية الماركسي لا يزال ذي صلة: شدة رأس المال «مقدار رأس المال المستخدم نسبةً إلى العمل في عملية الإنتاج» ترتفع بشكل أسرع من معدل الاستغلال، وبالتالي ينخفض معدل الربح العالمي. كما وجدا أن معدل فائض القيمة أعلى في البلدان الفقيرة. وفي هذه الورقة الجديدة، وجد روتا أن التبادل غير المتكافئ للعمل هو أمر هائل. يتم إنتاج معظم القيمة في الأطراف، لكنها تُنقل إلى الشمال الإمبريالي عبر التجارة الدولية ودخل رأس المال. تستمر حصة أمريكا من القيمة المستحوذ عليها لكل عامل في الارتفاع على حساب دول الأطراف، مثل: الهند والصين، رغم أن خسائر الصين قد تقلصت بشكل كبير منذ الأزمة المالية العالمية.

كانت هناك جلسات عديدة أخرى تناولت موضوع الإمبريالية، كما كانت هناك بعض الجلسات التي تناولت أسباب صعود الصين الاستثنائي كقوة اقتصادية، وتداعيات هذا الصعود. قدّم هو فونغ هونغ- من جامعة جونز هوبكنز- عرضاً لنتائج كتابه «صراع الإمبراطوريات». يجادل هونغ بأن الشركات الصينية المدعومة من الدولة أصبحت أكثر عدوانية مع توسعها في الأسواق المحلية والعالمية. وجاء ذلك على حساب الشركات الأمريكية. في الوقت نفسه، أدى تصدير الصين لفائضها الصناعي إلى استفزاز منافسة جيوسياسية مع الولايات المتحدة. ويزعم هونغ أن هذه الدينامية تشبه الصراعات الإمبريالية بين القوى العظمى في مطلع القرن العشرين قبل الحرب العالمية الأولى. بوجه عام، يبدو تحليل هونغ وكأنه يُحمّل «سياسات الصين العدوانية» مسؤولية تصاعد الصراع الجيوسياسي مع الولايات المتحدة، وهو استنتاج غير مفاجئ من أكاديمي في جامعة أمريكية رئيسية. بالنسبة لي، لا يمكن اعتبار الصين مجرد دولة رأسمالية أخرى بهذه البساطة.

تحدثت راما فاسوديفان من جامعة كولورادو، وهي من أبرز المدافعين عن مفهوم «الأمولة». في عرض قدمته مؤخراً بعنوان «الدولار العالمي والتمويل في الجنوب العالمي»، شددت فاسوديفان على دور التمويل كسبب للاختلالات العالمية وهيمنة الشمال على الجنوب. وترى أيضاً أن الأزمات تتزايد بسبب تراجع هيمنة الدولار. وفي إحدى الجلسات المالية، قدّم غوستافو فارغوس وألبينو لونا أطروحة تمويليّة جديدة، تقول: إن السبب الرئيسي وراء ضعف النمو في الاقتصاد المكسيكي هو تركّز الدخل. «من خلال تفضيل أرباح الشركات والطبقات ذات الدخل المرتفع، أهملت الحكومات المتعاقبة السوق المحلي والرفاه الاجتماعي». وكانت النتيجة هي ضعف الطلب الفعّال «وفقاً للنموذج الكينزي». إذاً، فإن ضعف الاقتصاد المكسيكي، بحسب هذا الطرح، لا علاقة له كثيراً بالاستغلال الإمبريالي، أو تراجع ربحية رأس المال المكسيكي، بل بتزايد عدم المساواة في الدخل الذي يؤدي إلى انخفاض الطلب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1232